المسألة الأولى : روى سعيد بن جبير أنه تعالى لما أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلّم / وكان يتلوه على قومه، فقالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فنزلت هذه السورة فتلاها عليهم فقالوا لو حدثتنا فنزل :﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَـابًا﴾ (الزمر : ٢٣) فقالوا لو ذكرتنا فنزل :﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ (الحديد : ١٦).
المسألة الثانية : القصص اتباع الخبر بعضه بعضاً وأصله في اللغة المتابعة قال تعالى :﴿وَقَالَتْ لاخْتِه قُصِّيه ﴾ (القصص : ١١) أي اتبعي أثره وقال تعالى :﴿فَارْتَدَّا عَلَى ا ءَاثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ (الكهف : ٦٤) أي اتباعاً وإنما سميت الحكاية قصصاً لأن الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئاً فشيئاً كما يقال تلا القرآن إذا قرأه لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ منه آية بعد آية والقصص في هذه الآية يحتمل أن يكون مصدراً بمعنى الاقتصاص يقال قص الحديث يقصه قصاً وقصصاً إذا طرده وساقه كما يقال أرسله يرسله إرسالاً ويجوز أن يكون من باب تسمية المفعول بالمصدر كقولك هذا قدرة الله تعالى أي مقدوره وهذا الكتاب علم فلان أي معلومه وهذا رجاؤنا أي مرجونا فإن حملناه على المصدر كان المعنى نقص عليك أحسن الاقتصاص، وعلى هذا التقدير فالحسن يعود إلى حسن البيان لا إلى القصة والمراد من هذا الحسن كون هذه الألفاظ فصيحة بالغة في الفصاحة إلى حد الإعجاز ألا ترى أن هذه القصة مذكورة في كتب التواريخ مع أن شيئاً منها لا يشابه هذه السورة في الفصاحة والبلاغة وإن حملناه على المفعول كان معنى كونه أحسن القصص لما فيه من العبر والنكت والحكم والعجائب التي ليست في غيرها فإن إحدى الفوائد التي في هذه القصة أنه لا دافع لقضاء الله تعالى ولا مانع من قدر الله تعالى وأنه تعالى إذا قضى للإنسان بخير ومكرمة فلو أن أهل العالم اجتمعوا عليه لم يقدروا على دفعه.
والفائدة الثانية : دلالتها على أن الحسد سبب للخذلان والنقصان.
والفائدة الثالثة : أن الصبر مفتاح الفرج كما في حق يعقوب عليه السلام فإنه لما صبر فاز بمقصوده، وكذلك في حق يوسف عليه السلام.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤١٨
فأما قوله :﴿بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـاذَا الْقُرْءَانَ﴾ فالمعنى بوحينا إليك هذا القرآن، وهذا التقدير إن جعلنا "ما" مع الفعل بمنزلة المصدر.
ثم قال :﴿وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِه ﴾ يريد من قبل أن نوحي إليك ﴿لَمِنَ الْغَـافِلِينَ﴾ عن قصة يوسف وإخوته، لأنه عليه السلام إنما علم ذلك بالوحي، ومنهم من قال : المراد أنه كان من الغافلين عن الدين والشريعة قبل ذلك كما قال تعالى :﴿مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَـابُ وَلا الايمَـانُ﴾ (الشورى : ٥٢).
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤١٨
٤٢٠
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : تقدير الآية : اذكر ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ﴾ قال صاحب "الكشاف" : الصحيح أنه اسم عبراني، لأنه لو كان عربياً لانصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف، وقرأ بعضهم ﴿يُوسُفَ﴾ بكسر السين ﴿وَيُوسُفَ﴾ بفتحها. وأيضاً روى في يونس هذه اللغات الثلاث، وعن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :"إذا قيل من الكريم فقولوا الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام".
المسألة الثانية : قرأ ابن عامر بفتح التاء في جميع القرآن، والباقون بكسر التاء. أما الفتح فوجهه أنه كان في الأصل يا أبتاه على سبيل الندبة، فحذفت الألف والهاء. وأما الكسر فأصله يا أبي، فحذفت الياء واكتفى بالكسرة عنها ثم أدخل هاء الوقف فقال : ثم كثر استعماله حتى صار كأنه من نفس الكلمة فأدخلوا عليه الإضافة، وهذا قول ثعلب وابن الأنباري.
واعلم أن النحويين طولوا في هذه المسألة، ومن أراد كلامهم فليطالع "كتبهم".
المسألة الثالثة : أن يوسف عليه السلام رأى في المنام أن أحد عشر كوكباً والشمس والقمر سجدت له، وكان له أحد عشر نفراً من الأخوة، ففسر الكواكب بالأخوة، والشمس والقمر بالأب والأم، والسجود بتواضعهم له ودخولهم تحت أمره، وإنما حملنا قوله :﴿لابِيهِ يَـا أَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾ على الرؤيا لوجهين : الأول : أن الكواكب لا تسجد في الحقيقة، فوجب حمل هذا الكلام على الرؤيا. والثاني : قول يعقوب عليه السلام :﴿لا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى ا إِخْوَتِكَ﴾ (يوسف : ٥) وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : قوله :﴿رَأَيْتُهُمْ لِى سَـاجِدِينَ﴾ فقوله :﴿سَـاجِدِينَ﴾ لا يليق إلا بالعقلاء، والكواكب جمادات، فكيف جازت اللفظة المخصوصة بالعقلاء في حق الجمادات.


الصفحة التالية
Icon