المسألة الأولى : قوله :﴿لِيُوسُفَ﴾ اللام لام الابتداء، وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة. أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر لا شبهة فيه وأخوه هو بنيامين، وإنما قالوا أخوه، وهم جميعاً إخوة لأن أمهما كانت واحدة والعصبة والعصابة العشرة فصاعداً، وقيل إلى الأربعين سموا بذلك / لأنهم جماعة تعصب بهم الأمور، ونقل عن علي عليه السلام أنه قرأ ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ بالنصب قيل : معناه ونحن نجتمع عصبة.
المسألة الثانية : المراد منه بيان السبب الذي لأجله قصدوا إيذاء يوسف، وذلك أن يعقوب كان يفضل يوسف وأخاه على سائر الأولاد في الحب وأنهم تأذوا منه لوجوه : الأول : أنهم كانوا أكبر سناً منهما. وثانيها : أنهم كانوا أكثر قوة وأكثر قياماً بمصالح الأب منهما. وثالثها : أنهم قالوا إنا نحن القائمون بدفع المفاسد والآفات، والمشتغلون بتحصيل المنافع والخيرات. إذا ثبت ما ذكرناه من كونهم متقدمين على يوسف وأخيه في هذه الفضائل، ثم إنه عليه السلام كان يفضل يوسف وأخاه عليهم لا جرم قالوا :﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ يعني هذا حيف ظاهر وضلال بين. وههنا سؤالات :
السؤال الأول : إن من الأمور المعلومة أن تفضيل بعض الأولاد على بعض يورث الحقد والحسد، ويورث الآفات، فلما كان يعقوب عليه السلام عالماً بذلك فلم أقدم على هذا التفضيل وأيضاً الأسن والأعلم والأنفع أفضل، فلم قلب هذه القضية ؟
والجواب : أنه عليه السلام ما فضلهما على سائر الأولاد إلا في المحبة، والمحبة ليست في وسع البشر فكان معذوراً فيه ولا يلحقه بسبب ذلك لوم.
السؤال الثاني : أن أولاد يعقوب عليه السلام إن كانوا قد آمنوا بكونه رسولاً حقاً من عند الله تعالى فكيف اعترضوا عليه، وكيف زيفوا طريقته وطعنوا في فعله، وإن كانوا مكذبين لنبوته فهذا يوجب كفرهم.
والجواب : أنهم كانوا مؤمنين بنبوة أبيهم مقرين بكونه رسولاً حقاً من عند الله تعالى، إلا أنهم لعلهم جوزوا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يفعلوا أفعالاً مخصوصة بمجرد الاجتهاد، ثم إن اجتهادهم أدى إلى تخطئة أبيهم في ذلك الاجتهاد، وذلك لأنهم كانوا يقولون هما صبيان ما بلغا العقل الكامل ونحن متقدمون عليهما في السن والعقل والكفاية والمنفعة وكثرة الخدمة والقيام بالمهمات وإصراره على تقديم يوسف علينا يخالف هذا الدليل. وأما يعقوب عليه السلام فلعله كان يقول : زيادة المحبة ليست في الوسع والطاقة، فليس لله علي فيه تكليف. وأما تخصيصهما بمزيد البر فيحتمل أنه كان لوجوه : أحدها : أن أمهما ماتت وهما صغار. وثانيها : لأنه كان يرى فيه من آثار الرشد والنجابة ما لم يجد في سائر الأولاد، وثالثها : لعله عليه السلام وإن كان صغيراً إلا أنه كان يخدم أباه بأنواع من الخدم أشرف وأعلى بما كان يصدر عن سائر الأولاد، والحاصل / أن هذه المسألة كانت اجتهادية، وكانت مخلوطة بميل النفس وموجبات الفطرة، فلا يلزم من وقوع الاختلاف فيها طعن أحد الخصمين في دين الآخر أو في عرضه.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٢٤
السؤال الثالث : أنهم نسبوا أباهم إلى الضلال المبين، وذلك مبالغة في الذم والطعن، ومن بالغ في الطعن في الرسول كفر، لا سيما إذا كان الطاعن ولداً فإن حق الأبوة يوجب مزيد التعظيم.
والجواب : المراد منه الضلال عن رعاية المصالح في الدنيا لا البعد عن طريق الرشد والصواب.
السؤال الرابع : أن قولهم :﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى ا أَبِينَا مِنَّا﴾ محض الحسد، والحسد من أمهات الكبائر، لا سيما وقد أقدموا على الكذب بسبب ذلك الحسد، وعلى تضييع ذلك الأخ الصالح وإلقائه في ذل العبودية وتبعيده عن الأب المشفق، وألقوا أباهم في الحزن الدائم والأسف العظيم، وأقدموا على الكذب فما بقيت خصلة مذمومة ولا طريقة في الشر والفساد إلا وقد أتوا بها، وكل ذلك يقدح في العصمة والنبوة.
والجواب : الأمر كما ذكرتم، إلا أن المعتبر عندنا عصمة الأنبياء عليهم السلام في وقت حصول النبوة. وأما قبلها فذلك غير واجب والله أعلم.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٢٤
٤٢٥