واعلم أن العلامات الكثيرة كانت دالة على أن يوسف عليه السلام هو الصادق : فالأول : أن يوسف عليه السلام في ظاهر الأمر كان عبداً لهم والعبد لا يمكنه أن يتسلط على مولاه إلى هذا الحد والثاني : أنهم شاهدوا أن يوسف عليه السلام كان يعدو عدواً شديداً ليخرج والرجل الطالب للمرأة لا يخرج من الدار على هذا الوجه، والثالث : أنهم رأوا أن المرأة زينت نفسها على أكمل الوجوه، وأما يوسف عليه السلام فما كان عليه أثر من آثار تزيين النفس فكان إلحاق هذه الفتنة بالمرأة أولى، الرابع : أنهم كانوا قد شاهدوا أحوال يوسف عليه السلام في المدة الطويلة فما رأوا عليه حالة تناسب إقدامه على مثل هذا الفعل المنكر، وذلك أيضاً مما يقوي الظن، الخامس : أن المرأة ما نسبته إلى طلب الفاحشة على سبيل التصريح بل ذكرت كلاماً مجملاً مبهماً، وأما يوسف عليه السلام فإنه صرح بالأمر ولو أنه كان متهماً لما قدر على التصريح باللفظ الصريح فإن الخائن خائف ؛ السادس : قيل : إن زوج المرأة كان عاجزاً وآثار طلب الشهوة في حق المرأة كانت متكاملة فإلحاق هذه الفتنة بها أولى، فلما حصلت هذه الأمارات الكثيرة الدالة على أن مبدأ هذه الفتنة كان من المرأة استحيا الزوج وتوقف وسكت لعلمه بأن يوسف صادق والمرأة كاذبة، ثم إنه تعالى أظهر ليوسف عليه السلام دليلاً آخر يقوي تلك الدلائل المذكورة ويدل على أنه بريء عن الذنب وأن المرأة هي المذنبة، وهو قوله : ، وأن يوسف عليه السلام ما هتك سترها في أول الأمر إلا أنه لما خاف على النفس وعلى العرض أظهر الأمر.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٤٧