إذا عرفت هذا فنقول : في المراد بالمعقبات قولان. الأول : وهو المشهور الذي عليه الجمهور أن المراد منه الملائكة الحفظة وإنما صح وصفهم بالمعقبات، إما لأجل أن ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار وبالعكس، وإما لأجل أنهم يتعقبون أعمال العباد ويتبعونها بالحفظ والكتب، وكل من عمل عملاً ثم عاد إليه فقد عقب، فعلى هذا المراد من المعقبات ملائكة الليل وملائكة النهار. روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك فقال عليه السلام :"ملك عن يمينك يكتب الحسنات وهو أمين على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشراً، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال لصاحب اليمين أكتب ؟
فيقول لا لعله يتوب فإذا قال ثلاثاً قال نعم أكتب أراحنا الله منه فبئس القرين ما أقل مراقبته لله تعالى واستحياءه منا، وملكان من بين يديك ومن خلفك فهو قوله تعالى :﴿لَه مُعَقِّبَـاتٌ مِّنا بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه ﴾ وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لربك رفعك وإن تجبرت قصمك، وملكان على شفتك يحفظان عليك الصلاة علي، وملك علي فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك، وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي تبدل ملائكة / الليل بملائكة النهار فهم عشرون ملكاً على كل آدمي". وعن صلى الله عليه وسلّم :"يتعاقب فيكم ملاكئة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر". وهو المراد من قوله :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ﴾ (الإسراء : ٧٨) قيل : تصعد ملائكة الليل وهي عشرة وتنزل ملائكة النهار، وقال ابن جريج : هو مثل قوله تعالى :﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ (ق : ١٧) صاحب اليمين يكتب الحسنات والذي عن يساره يكتب السيئات. وقال مجاهد : ما من عبد إلا وله ملك يحفظه من الجن والإنس والهوام في نومه ويقظته. وفي الآية سؤالات :
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٠
السؤال الأول : الملائكة ذكور، فلم ذكر في جمعها جمع الإناث وهو المعقبات ؟
والجواب : فيه قولان. الأول : قال الفراء : المعقبات ذكران جمع ملائكة معقبة، ثم جمعت معقبة بمعقبات، كما قيل : ابناوات سعد ورجالات بكر جمع رجال، والذي يدل على التذكير قوله :﴿يَحْفَظُونَه ﴾. والثاني : وهو قول الأخفش : إنما أنثت لكثرة ذلك منها، نحو : نسابة، وعلامة، وهو ذكر.
السؤال الثاني : ما المراد من كون أولئك المعقبات من بين يديه ومن خلفه ؟
والجواب : أن المستخفي بالليل والسارب بالنهار قد أحاط به هؤلاء المعقبات فيعدون عليه أعماله وأقواله بتمامها، ولا يشذ من تلك الأعمال والأقوال من حفظهم شيء أصلاً، وقال بعضهم : بل المراد يحفظونه من جميع المهالك من بين يديه ومن خلفه/ لأن السارب بالنهار إذا سعى في مهماته فإنما يحذر من بين يديه ومن خلفه.
السؤال الثالث : ما المراد من قوله :﴿مِنْ أَمْرِ اللَّه ﴾.
والجواب : ذكر الفراء فيه قولين :
القول الأول : أنه على التقديم والتأخير والتقدير : له معقبات من أمر الله يحفظونه.
القول الثاني : أن فيه إضماراً أي ذلك الحفظ من أمر الله أي مما أمر الله به فحذف الاسم وأبقى خبره كما يكتب على الكيس، ألفان والمراد الذي فيه ألفان.
والقول الثالث : ذكره ابن الأنباري أن كلمة "من" معناها الباء والتقدير : يحفظونه بأمر الله وباعانته، والدليل على أنه لا بد من المصير إليه أنه لا قدرة للملائكة ولا لأحد من الخلق على أن يحفظوا أحداً من أمر الله ومما قضاه عليه.
السؤال الرابع : ما الفائدة في جعل هؤلاء الملائكة موكلين علينا ؟
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٠