المسألة الثانية : قال الزجاج : قوله :﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ﴾ أي بأن أخرج قومك. ثم قال :﴿ءَانٍ﴾ ههنا تصلح أن تكون مفسرة بمعنى أي، ويكون المعنى : ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أي أخرج قومك، كأن المعنى قلنا له : أخرج قومك. ومثله قوله :﴿وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ﴾ (ص : ٦) أي أمشوا، والتأويل قيل لهم : امشوا، وتصلح أيضاً أن تكون المخففة التي هي للخبر، والمعنى : أرسلناه بأن يخرج قومه إلا أن الجار حذف ووصلت (أن) بلفظ الأمر، ونظيره قولك : كتبت إليه أن قم وأمرته أن قم، ثم إن الزجاج حكى هذين القولين عن سيبويه.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٦٦
أما قوله :﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّـاـامِ اللَّه ﴾ فاعلم أنه تعالى أمر موسى عليه السلام في هذا المقام بشيئين : أحدهما : أن يخرجهم من ظلمات الكفر، والثاني : أن يذكرهم بأيام الله، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال الواحدي : أيام جمع يوم، واليوم هو مقدار المدة من طلوع الشمس إلى غروبها، وكانت الأيام في الأصل أيوام فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون، فأدغمت إحداهما في الأخرى وغلبت الياء.
المسألة الثانية : أنه يعبر بالأيام عن الوقائع العظيمة التي وقعت فيها. يقال : فلان عالم بأيام العرب ويريد وقائعها وفي المثل من ير يوماً ير له معناه من رؤي في يوم مسروراً بمصرع غيره ير في يوم آخر حزيناً بمصرع نفسه وقال تعالى :﴿وَتِلْكَ الايَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران : ١٤٠).
إذا عرفت هذا، فالمعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد/ فالترغيب والوعد أن يذكرهم ما أنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل في سائر ما سلف من الأيام، والترهيب والوعيد : أن يذكرهم بأس الله وعذابه وانتقامه ممن كذب الرسل ممن سلف من الأمم فيما سلف من الأيام، مثل ما نزل بعاد وثمود وغيرهم من العذاب، ليرغبوا في الوعد فيصدقوا ويجذروا من الوعيد فيتركوا التكذيب.
واعلم أن أيام الله في حق موسى عليه السلام منها ما كان أيام المحنة والبلاء وهي الأيام التي كانت بنو إسرائيل فيها تحت قهر فرعون ومنها ما كان أيام الراحة والنعماء مثل إنزال المن والسلوى وانفلاق البحر وتظليل الغمام.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ والمعنى أن في ذلك التذكير والتنبيه دلائل لمن كان صباراً شكوراً، لأن الحال إما أن يكون حال محنة وبلية أو حال منحة وعطية فإن كان الأول، كان المؤمن صباراً، وإن كان الثاني كان شكوراً. وهذا تنبيه على أن المؤمن يجب أن لا يخلو زمانه عن أحد هذين الأمرين فإن جرى الوقت على ما يلائم طبعه ويوافق إرادته كان مشغولاً بالشكر، وإن جرى ما لا يلائم طبعه كان مشغولاً بالصبر.
فإن قيل : إن ذلك التذكيرات آيات للكل فلماذا خص الصبار الشكور بها ؟
قلنا : فيه وجوه : الأول : أنهم لما كانوا هم المنتفعون بتلك الآيات صارت كأنها ليست آيات إلا لهم كما في قوله :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ وقوله :﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـاـاهَا﴾. والثاني : لا يبعد أن يقال : الانتفاع بهذا النوع من التذكير لا يمكن حصوله إلا لمن كان صابراً أو شاكراً، أما الذي لا يكون كذلك لم ينتفع بهذه الآيات.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٦٦
واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه أمر موسى عليه السلام بأن يذكرهم بأيام الله تعالى، حكى عن موسى عليه السلام أنه ذكرهم بها فقال :﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَـاكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُواءَ الْعَذَابِ﴾ فقوله :﴿إِذْ أَنجَـاكُم﴾ ظرف للنعمة بمعنى الأنعام، أي اذكروا إنعام الله عليكم في ذلك الوقت. بقي في الآية سؤالات :
السؤال الأول : ذكر في سورة البقرة :﴿يُذَبِّحُونَ﴾ (البقرة : ٤٩) وفي سورة الأعراف :﴿يَقْتُلُونَ﴾ (الأعراف : ٤١) وههنا ﴿وَيُذَبِّحُونَ﴾ مع الواو فما الفرق ؟
والجواب : قال تعالى في سورة البقرة :﴿يُذَبِّحُونَ﴾ بغير واو لأنه تفسير لقوله :﴿سُواءُ الْعَذَابِ﴾ وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو تقول : أتاني القوم زيد وعمرو. لأنك أردت أن تفسر القوم بهما ومثله قوله تعالى :﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَالِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَـاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ﴾ (الفرقان : ٦٨، ٦٩) فالآثام لما صار مفسراً بمضاعفة العذاب لا جرم حذف عنه الواو، أما في هذه السورة فقد أدخل الواو فيه، لأن المعنى أنهم يعذبونهم بغير التذبيح وبالتذبيح أيضاً فقوله :﴿وَيُذَبِّحُونَ﴾ نوع آخر من العذاب لا أنه تفسير لما قبله.
السؤال الثاني : كيف كان فعل آل فرعون بلاء من ربهم ؟


الصفحة التالية
Icon