ولقد كان في العرب من يذم القمر ويقول : القمر يقرب الأجل، ويفضح السارق، / ويدرك الهارب. ويهتك العاشق، ويبلي الكتان، ويهرم الشبان، وينسى ذكر الأحباب، ويقرب الدين، ويدني الحين. وكان فيهم أيضاً من يفضل القمر على الشمس من وجوه : أحدها : أن القمر مذكر. والشمس مؤنث لكن المتنبي طعن فيه بقوله :
ففما التأنيث لاسم الشمس عيب
ولا التذكير فخر للهلال
وثانيها : أنهم قالوا : القمران، فجعلوا الشمس تابعة للقمر، ومنهم من فضل الشمس على القمر بأن الله تعالى قدمها على القمر في قوله :﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ (الرحمن :)، والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها} (الشمس : ٢١) إلا أن هذه الحجة منقوضة بقوله :(الشمس : ٢١) إلا أن هذه الحجة منقوضة بقوله :﴿فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ﴾ (التغابن : ٢) وقال :﴿لا يَسْتَوِى أَصْحَـابُ النَّارِ وَأَصْحَـابُ الْجَنَّةِ ﴾ (الحشر : ٢٠) وقال :﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواةَ﴾ (الملك : ٢) وقال :﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الشرح : ٦) وقال :﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ﴾ الآية. أما النجوم : ففيها منافع. المنفعة الأولى : كونها رجوماً للشياطين، والثانية : معرفة القبلة بها، والثالثة : أن يهتدي بها المسافر في البر والبحر، قال تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُمَـاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ (الأنعام : ٩٧) ثم النجوم على ثلاثة أقسام : غاربة لا تطلع كالكواكب الجنوبية، وطالعة لا تغرب كالشمالية، ومنها ما يغرب تارة ويطلع أخرى، وأيضاً منها ثوابت، ومنها سيارات، ومنها شرقية، ومنها غربية والكلام فيها طويل. أما الذي تدعيه الفلاسفة من معرفة الأجرام والأبعاد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٩
فدع عنك بحراً ضل فيه السوابح
قال تعالى :﴿عَـالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِه أَحَدًا * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾ (الجن : ٢٦، ٢٧) وقال :﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا﴾ (الإسراء : ٨٥) وقال :﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآاـاِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ (هود : ٣١) وقال :﴿مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ (الكهف : ٥١) فقد عجز الخلق عن معرفة ذواتهم وصفاتهم فكيف يقدرون على معرفة أبعد الأشياء عنهم، والعرب مع بعدهم عن معرفة الحقائق عرفوا ذلك، قال قائلهم :
فوأعرف ما في اليوم والأمس قبله
ولكنني عن علم ما في غد عمي
وقال لبيد :
ففوالله ما تدري الضوارب بالحصى
ولا زاجرات الطير ما الله صانع
المسألة الرابعة : في شرح كون السماء بناء، قال الجاحظ : إذا تأملت في هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منورة كالمصابيح والإنسان كمالك البيت المتصرف فيه، وضروب النبات مهيأة لمنافعة وضروب الحيوانات مصرفة في مصالحة، فهذه جملة واضحة دالة على أن العالم مخلوق بتدبير كامل وتقدير شامل وحكمة بالغة وقدرة غير متناهية والله أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٩