﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ (السجدة : ١٧) وقال تعالى :﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الانفُسُ وَتَلَذُّ الاعْيُنُ ﴾ (الزخرف ٧١) وقال في الترهيب :﴿أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ﴾ (الإسراء : ٦٨) وقال :﴿مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الارْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾ (الملك : ١٦، ١٧) الآية وقال :﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ (إبراهيم : ١٥) إلى قوله :﴿فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنابِه ﴾ إلى قوله :﴿وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ﴾ (العنكبوت : ٤٠) وقال في الوعظ ما لا مزيد عليه ﴿أَفَرَءَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـاهُمْ سِنِينَ﴾ وقال في الإلهيات :﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الارْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ﴾ (الرعد : ٨) إلى آخره}. وسابعها : أن القرآن أصل العلوم كلها فعلم الكلام كله في القرآن، وعلم الفقه كله مأخوذ من القرآن، وكذا علم أصول الفقه. وعلم النحو واللغة، وعلم الزهد في الدنيا وأخبار الآخرة، واستعمال مكارم الأخلاق، ومن تأمل "كتابنا في دلائل الإعجاز" علم أن القرآن قد بلغ في جميع وجوه الفصاحة إلى النهاية القصوى، الطريق الثاني : أن نقول : القرآن لا يخلوا إما أن يقال إنه كان بالغاً في الفصاحة إلى حد الإعجاز، أو لم يكن كذلك فإن كان الأول ثبت أنه معجز. وإن كان الثاني كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة فعدم إتيانهم بالمعارضة مع كون المعارضة ممكنة ومع توفر دواعيهم على الإتيان بها أمر خارق العادة فكان ذلك معجزاً فثبت أن القرآن معجز على جميع الوجوه وهذا الطريق عندنا أقرب إلى الصواب.
المسألة الثانية : إنما قال :. وسابعها : أن القرآن أصل العلوم كلها فعلم الكلام كله في القرآن، وعلم الفقه كله مأخوذ من القرآن، وكذا علم أصول الفقه. وعلم النحو واللغة، وعلم الزهد في الدنيا وأخبار الآخرة، واستعمال مكارم الأخلاق، ومن تأمل "كتابنا في دلائل الإعجاز" علم أن القرآن قد بلغ في جميع وجوه الفصاحة إلى النهاية القصوى، الطريق الثاني : أن نقول : القرآن لا يخلوا إما أن يقال إنه كان بالغاً في الفصاحة إلى حد الإعجاز، أو لم يكن كذلك فإن كان الأول ثبت أنه معجز. وإن كان الثاني كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة فعدم إتيانهم بالمعارضة مع كون المعارضة ممكنة ومع توفر دواعيهم على الإتيان بها أمر خارق العادة فكان ذلك معجزاً فثبت أن القرآن معجز على جميع الوجوه وهذا الطريق عندنا أقرب إلى الصواب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٧
المسألة الثانية : إنما قال :﴿نَزَّلْنَا﴾ على لفظ التنزيل دون الإنزال لأن المراد النزول على سبيل التدريج، وذكر هذا اللفظ هو اللائق بهذا المكان لأنهم كانوا يقولون : لو كان هذا من عند الله ومخالفاً لما يكون من عند الناس لم ينزل هكذا نجوماً سورة بعد سورة على حسب النوازل ووقوع الحوادث وعلى سنن ما نرى عليه أهل الخطابة والشعر من وجود ما يوجد منهم مفرقاً حيناً فحيناً بحسب ما يظهر من الأحوال المتجددة والحاجات المختلفة فإن الشاعر لا يظهر ديوان شعره دفعة والمترسل لا يظهر ديوان رسائله وخطبه دفعة فلو أنزله الله تعالى لأَنزله على خلاف هذه العادة جملة ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ (الفرقان : ٣٢) والله سبحانه وتعالى ذكر ههنا ما يدل على أن القرآن معجز مع ما يزيل هذه الشبهة وتقريره أن هذا القرآن النازل على هذا التدريج إما أن يكون من جنس مقدور البشر أو لا يكون، فإن كان / الأول وجب إتيانهم بمثله أو بما يقرب منه على التدريج، وإن كان الثاني ثبت أنه مع نزوله على التدريج معجز وقرىء "على عبادنا" يريد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأمته.


الصفحة التالية
Icon