البحث الأول : قال الزجاج : قوله :﴿أَيْنَ شُرَكَآءِىَ﴾ معناه : أين شركائي في زعمكم واعتقادكم. ونظيره قوله تعالى :﴿أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ (الأنعام : ٢٢) وقال أيضاً :﴿وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ (يونس : ٢٨) وإنما حسنت هذه الإضافة لأنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب، وهذا كما يقال لمن يحمل خشبة خذ طرفك وآخذ طرفي، فأضيف الطرف إليه.
البحث الثاني : قوله :﴿تُشَـا قُّونَ فِيهِمْ ﴾ أي تعادون وتخاصمون المؤمنين في شأنهم، وقيل : المشاقة عبارة عن كون أحد الخصمين في شق وكون الآخر في الشق الآخر.
البحث الثالث : قرأ نافع :﴿تُشَـا قُّونَ﴾ بكسر النون على الإضافة، والباقون بفتح النون على الجمع.
ثم قال تعالى :﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْىَ الْيَوْمَ وَالسُّواءَ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ وفيه بحثان :
البحث الأول :﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ قال ابن عباس : يريد الملائكة، وقال آخرون هم المؤمنون يقولون حين يرون خزي الكفار يوم القيامة إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين، والفائدة فيه أن الكفار كانوا ينكرون على المؤمنين في الدنيا فإذا ذكر المؤمن هذا الكلام يوم القيامة في معرض إهانة الكافر كان وقع هذا الكلام على الكافر وتأثيره في إيذائه أكمل وحصول الشماتة به أقوى.
البحث الثاني : المرجئة احتجوا بهذه الآية على أن العذاب مختص بالكافر قالوا لأن قوله تعالى :﴿إِنَّ الْخِزْىَ الْيَوْمَ وَالسُّواءَ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ يدل على أن ماهية الخزي والسوء في يوم القيامة مختصة بالكافر، وذلك ينفي حصول هذه الماهية في حق غيرهم، وتأكد هذا بقول موسى عليه السلام :﴿إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَآ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ (طه : ٤٨) ثم أنه تعالى وصف عذاب هؤلاء الكفار من وجه آخر فقال :﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّـاـاهُمُ الْمَلَـا اـاِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ ﴾ قرأ حمزة :﴿نُنَزِّلُ الملائكة ﴾ بالياء لأن الملائكة ذكور، والباقون بالتاء للفظ.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٠٠
ثم قال :﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُواءا ﴾ وفيه قولان :
القول الأول : أنه تعالى حكى عنهم إلقاء السلم عند القرب من الموت، قال ابن عباس : أسلموا وأقروا لله بالعبودية عند الموت. وقوله :﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُواءا ﴾ أي قالوا ما كنا نعمل من سوء والمراد من هذا السوء الشرك، فقالت الملائكة رداً عليهم وتكذيباً : بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون من التكذيب والشرك، ومعنى بلى رداً لقولهم :﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُواءا ﴾ وفيه قولان :
القول الأول : أنه تعالى حكى عنهم إلقاء السلم عند القرب من الموت.
والقول الثاني : أنه تم الكلام عند قوله :﴿ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ ﴾ ثم عاد الكلام إلى حكاية كلام المشركين يوم القيامة، والمعنى : أنهم يوم القيامة ألقوا السلم وقالوا ما كنا نعمل في الدنيا من سوء، ثم ههنا اختلفوا، فالذين جوزوا الكذب على أهل القيامة، قالوا : هذا القول منهم على سبيل الكذب/ وإنما أقدموا على هذا الكذب لغاية الخوف، والذين قالوا إن الكذب لا يجوز عليهم قالوا : معنى الآية، ما كنا نعمل من سوء عند أنفسنا أو في اعتقادنا، وأما بيان أن الكذب على أهل القيامة هل يجوز أم لا ؟
فقد ذكرناه في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى :﴿ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ (الأنعام : ٢٣) واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم قالوا : ما كنا نعمل من سوء قال بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون، ولا يبعد أن يكون قائل هذا القول هو الله تعالى أو بعض الملائكة رداً عليهم وتكذيباً لهم، ومعنى بلى الرد لقولهم :﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُواءا ﴾ وقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يعني أنه عالم بما كنتم عليه في الدنيا فلا ينفعكم هذا الكذب فإنه يجازيكم على الكفر الذي علمه منكم. ثم صرح بذكر العقاب فقال :
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٠٠
٢٠٠
وهذا يدل على تفاوت منازلهم في العقاب، فيكون عقاب بعضم أعظم من عقاب بعض، وإنما صرح تعالى بذكر الخلود ليكون الغم والحزن أعظم.
ثم قال :﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ على قبول التوحيد وسائر ما أتت به الأنبياء، وتفسير التكبر قد مر في هذا الكتاب غير مرة. والله أعلم.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٠٠
٢٠٣


الصفحة التالية
Icon