ثم قال تععالى :﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ قال الواحدي : إصل الحفدة من الحفد وهو الخفة في الخدمة والعمل. يقال : حفد يحفد حفداً وحفوداً وحفداناً إذا أسرع، ومنه في دعاء القنوت وإليك نسعى ونحفد، والحفدة جمع الحافد، والحافد كل من يخف في خدمتك ويسرع في العمل بطاعتك، يقال في جمعه الحفد بغير هاء كما يقال الرصد، فمعنى الحفدة في اللغة الأعوان والخدام، ثم يجب أن يكون المراد من الحفدة في هذه الآية الأعوان الذين حصلوا للرجل من قبل المرأة، أنه تعالى قال :﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ فالأعوان الذين لا يكونون من قبل المرأة لا يدخلون تحت هذه الآية.
إذا عرفت هذا فنقول : قيل هم الأختان، وقيل : هم الأصهار، وقيل : ولد الولد، والأولى دخول الكل فيه، لما بينا أن اللفظ محتمل للكل بحسب المعنى المشترك الذي ذكرناه.
ثم قال تعالى :﴿وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَـاتِ ﴾ لما ذكر تعالى إنعامه على عبيده بالمنكوح وما فيه من المنافع والمصالح ذكر إنعامه عليهم بالمطعومات الطيبة، سواء كانت من النبات وهي الثمار والحبوب والأشربة أو كانت من الحيوان، ثم قال :﴿أَفَبِالْبَـاطِلِ يُؤْمِنُونَ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني بالأصنام، وقال مقاتل : يعني بالشيطان، وقال عطاء : يصدقون أن لي شريكاً وصاحبة وولداً :﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ﴾ أي بأن يضيفوها إلى غير الله ويتركوا إضافتها إلى الله تعالى. وفي الآية قول آخر وهو أنه تعالى لما قال :﴿وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَـاتِ ﴾ قال بعده :﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ والمراد منه أنهم يحرمون على أنفسهم طيبات أحلها الله لهم مثل البحيرة والسائبة والوصيلة/ ويبيحون لأنفسهم محرمات حرمها الله عليهم وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح على النصب يعني لم يحكمون بتلك الأحكام الباطلة، وبإنعام الله في تحليل الطيبات، وتحريم الخبيثات يجحدون ويكفرون والله أعلم.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٤٥
٢٤٦
اعلم أنه تعالى لما شرح أنواعاً كثيرة في دلائل التوحيد، وتلك الأنواع كما أنها دلائل على صحة التوحيد، فكذلك بدأ بذكر أقسام النعم الجليلة الشريفة، ثم أتبعها في هذه الآية بالرد على عبدة الأصنام فقال :﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ شَيْـاًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أما الرزق الذي يأتي من جانب السماء فيعني به الغيث الذي يأتي من جهة السماء، وأما الذي يأتي من جانب الأرض فهو النبات والثمار التي تخرج منها وقوله :﴿مِّنَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ من صفة النكرة التي هي قوله :﴿رِزْقًا﴾ كأنه قيل : لا يملك لهم رزقاً من الغيث والنبات وقوله، ﴿شَيْئًا ﴾ قال الأخفش : جعل قوله :﴿شَيْئًا ﴾ بدلاً من قوله :﴿رِزْقًا﴾ والمعنى : لا يملكون رزقاً لا قليلاً ولا كثيراً، ثم قال :﴿وَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ والفائدة في هذه اللفظة أن من لا يملك شيئاً قد يكون موصوفاً باستطاعته أن يتملكه بطريق من الطرق، فبين تعالى أن هذه الأصنام لا تملك وليس لها أيضاً استطاعة تحصيل الملك.
فإن قيل : إنه تعالى قال :﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ﴾ فعبر عن الأصنام بصيغة "ما" وهي لغير أولي العلم، ثم قال :﴿وَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ والجمع بالواو والنون مختص بأولى العلم فكيف الجمع بين الأمرين ؟
والجواب : أنه عبر عنها بلفظ "ما" اعتباراً لما هو الحقيقة في نفس الأمر وذكر الجمع بالواو والنون اعتباراً لما يعتقدون فيها أنها آلهة.
ثم قال تعالى :﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الامْثَالَ ﴾ وفيه وجوه : الأول : قال المفسرون : يعني لا تشبهوه/ بخلقه. الثاني : قال الزجاج : أي لا تجعلوا لله مثلاً، أونه واحد لا مثل له. والثالث : أقول يحتمل أن يكون المراد أن عبدة الأوثان كانوا يقولون : إن إله العالم أجل وأعظم من أن يعبده الواحد منا بل نحن نعبد الكواكب أو نعبد هذه الأصنام، ثم إن الكواكب والأصنام عبيد الإله الأكبر الأعظم، والدليل عليه العرف، فإن أصاغر الناس يخدمون أكابر حضرة الملك، وأولئك الأكابر يخدمون الملك فكذا ههنا فعند هذا هذا قال الله تعالى لهم اتركوا عبادة هذا الأصنام والكواكب ولا تضربوا الله الأمثال التي ذكرتموها وكونوا مخلصين في عبادة الإله الحكيم القدير.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٤٦


الصفحة التالية
Icon