أما قوله تعالى :﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا ﴾ فاعلم أن هذه الآية دالة على المعجز من وجوه أربعة : أحدها : أنا نعلم بالتواتر أن العرب كانوا في غاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وفي غاية الحرص على إبطال أمره، لأن مفارقة الأوطان والعشيرة وبذل النفوس والمهج من أقوى ما يدل على ذلك، فإذا انضاف إليه مثل هذا التقريع وهو قوله تعالى :﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا ﴾ فلو كان في وسعهم وإمكانهم الإتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه لأتوا به، فحيث ما أتوا به ظهر المعجز. وثانيها : وهو أنه عليه السلام وإن كان متهماً عندهم فيما يتصل بالنبوة فقد كان معلوم الحال في وفور العقل والفضل والمعرفة بالعواقب، فلو تطرقت التهمة إلى ما ادعاه من النبوة لما استجاز أن يتحداهم ويبلغ في التحدي إلى نهايته، بل كان يكون وجلاً خائفاً مما يتوقعه من فضيحة يعود وبالها على جميع أموره، حاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلّم، فلولا معرفته بالاضطرار من حالهم أنهم عاجزون عن المعارضة لما جوز من نفسه أن يحملهم على المعارضة بأبلغ الطرق. وثالثها : أنه عليه السلام لو لم يكن قاطعاً بصحة نبوته لما قطع في الخبر بأنهم لا يأتون بمثله، لأنه إذا لم يكن قاطعاً بصحة نبوته كان يجوز خلافه، وبتقدير وقوع خلافه يظهر كذبه، فالمبطل المزور البتة لا يقطع في الكلام. ولا يجزم به، فلما جزم دل على أنه عليه الصلاة والسلام كان قاطعاً في أمره، ورابعها : أنه وجد مخبر هذا الخبر على ذلك الوجه لأن من أيامه عليه الصلاة والسلام إلى عصرنا هذا لم يخل وقت من الأوقات ممن يعادي الدين والإسلام وتشتد دواعيه في الوقيعة فيه. ثم إنه مع هذا الحرص الشديد لم توجد المعارضة قط، فهذه الوجوه الأربعة في الدلالة على المعجز مما تشتمل عليها هذه الآية، وذلك يدل / على فساد قول الجهال الذين يقولون إن كتاب الله لا يشتمل على الحجة والاستدلال، وههنا سؤالات. السؤال الأول : انتفاء إتيانهم بالسورة واجب، فهلا جيء بإذا الذي للوجوب دون "إن" الذي للشك الجواب فيه وجهان : أحدهما : أن يساق القول معهم على حسب حسبانهم، فإنهم كانوا بعد غير جازمين بالعجز عن المعارضة لاتكالهم على فصاحتهم واقتدارهم على الكلام. الثاني : أن يتهكم بهم كما يقول الموصوف بالقوة الواثق من نفسه بالغلبة على من يقاومه : إن غلبتك، وهو يعلم أنه غالبه تهكماً به. السؤال الثاني : لم قال :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٧


الصفحة التالية
Icon