والقول الثاني : أن قوله :﴿ أولئك الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ هم الأنبياء الذين ذكرهم الله تعالى بقوله :﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّـانَ عَلَى بَعْضٍ ﴾ (الإسراء : ٥٥) وتعلق هذا الكلام بما سبق هو أن الذين عظمت منزلتهم وهم الأنبياء لا يعبدون إلا الله تعالى ولا يبتغون الوسيلة إلا إليه، فأنتم بالاقتداء بهم حق فلا تعبدوا غبر الله تعالى/ واحتج القائلون بهذا القول على صحته بأن قالوا : الملائكة لا يعصون الله فلا يخافون عذابه، فثبت أن هذا غير لائق بالملائكة وإنما هو لائق بالأنبياء.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٥٨
قلنا : الملائكة يخافون عذاب الله لو أقدموا على الذنب والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إِلَـاهٌ مِّن دُونِه فَذاَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ (الأنبياء : ٢٩).
أما قوله :﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ فالمراد أن من حقه أن يحذر، فإن لم يحذره بعض الناس لجهله فهو لا يخرج من كونه بحيث يجب الحذر عنه.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٥٨
٣٥٨
واعلم أنه تعالى لما قال :﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ (الإسراء : ٥٧) بين أن كل قرية مع أهلها فلا بد وأن يرجع حالها إلى أحد أمرين : إما الإهلاك وإما التعذيب قال مقاتل : أما الصالحة فبالموت، وأما الطالحة فبالعذاب، وقيل : المراد من قوله :﴿وَإِن مِّن قَرْيَةٍ﴾ قرى الكفار، ولا بد أن تكون عاقبتها أحد أمرين : إما الاستئصال بالكلية وهو المراد من الإهلاك أو بعذاب شديد دون ذلك من قتل كبرائهم وتسليط المسلمين عليهم بالسبي واغتنام الأموال وأخذ الجزية، ثم بين تعالى أن هذا الحكم حكم مجزوم به واقع فقال :﴿كَانَ ذَالِكَ فِى الْكِتَـابِ مَسْطُورًا﴾ ومعناه ظاهر.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٥٨
٣٦٥
اعلم تعالى أنه لما ذكر الدليل على فساد قول المشركين وأتبعه بالوعيد أتبعه بذكر مسألة النبوة، وذلك لأن كفار قريش اقترحوا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم إظهار معجزات عظيمة قاهرة كما حكى الله عنهم أنهم قالوا :﴿لَوْلا يَأْتِينَا بِـاَايَةٍ﴾ (طه : ١٣٣) ﴿كَمَآ أُرْسِلَ الاوَّلُونَ﴾ (الأنبياء : ٥) وقال آخرون : المراد ما طلبوه بقولهم :﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الارْضِ يَنابُوعًا﴾ (الإسراء : ٩٠) وعن سعيد بن جبير أن القوم قالوا : إنك تزعم أنه كان قبلك أنبياء فمنهم : من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيي الموتى فأتنا بشي من هذه المعجزات فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله :﴿وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالايَـاتِ إِلا أَن كَذَّبَ بِهَا الاوَّلُونَ ﴾ وفي تفسير هذا الجواب وجوه :
الوجه الأول : المعنى أنه تعالى لو أظهر تلك المعجزات القاهرة ثم لم يؤمنوا بها بل بقوا مصرين على كفرهم فحينئذ يصيرون مستحقين لعذاب الاستئصال، لكن إنزال عذاب الاستئصال على هذه الأمة غير جائز، لأن الله تعالى أعلم أن فيهم من سيؤمن أو يؤمن أولادهم، فلهذا السبب ما أجابهم الله تعالى إلى مطلوبهم وما أظهر تلك المعجزات القاهرة. روى ابن عباس أن أهل مكة سألوا الرسول صلى الله عليه وسلّم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن يزيل لهم الجبال حتى يزرعوا تلك الأراضي، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلّم ذلك من الله تعالى فقال الله تعالى : إن شئت فعلت ذلك لكن بشرط أنهم إن كفروا أهلكتهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلّم :"لا أريد ذلك بل تتأنى بهم" فنزلت هذه الآية.
الوجه الثاني : في تفسير هذا الجواب أنا لا نظهر هذه المعجزات لأن آباءكم الذين رأوها لم يؤمنوا بها وأنتم مقلدون لهم، فلو رأيتموها أنتم لم تؤمنوا بها أيضاً.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٦٥
الوجه الثالث : أن الأولين شاهدوا هذه المعجزات وكذبوا بها، فعلم الله منكم أيضاً أنكم لو شاهدتموها لكذبتم فكان إظهارها عبثاً، والعبث لا يفعله الحكيم.
ثم قال تعالى : ٦وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها} وفيه أبحاث :
البحث الأول : المعنى أن الآية التي التمسوها هي مثل آية ثمود، وقد آتيناها ثمود واضحة بينة ثم كفروا بها فاستحقوا عذاب الاستئصال فكيف يتمناها هؤلاء على سبيل الاقتراح والتحكم على الله تعالى.
البحث الثاني : قوله تعالى : وفيه أبحاث :
البحث الأول : المعنى أن الآية التي التمسوها هي مثل آية ثمود، وقد آتيناها ثمود واضحة بينة ثم كفروا بها فاستحقوا عذاب الاستئصال فكيف يتمناها هؤلاء على سبيل الاقتراح والتحكم على الله تعالى.
البحث الثاني : قوله تعالى :﴿مُبْصِرَةً﴾ وفيه وجهان : الأول : قال الفراء :﴿مُبْصِرَةً﴾ أي مضيئة. قال تعالى :﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾ (يونس : ٦٧) أي مضيئاً. والثاني :﴿مُبْصِرَةً﴾ أي ذات أبصار أي فيها أبصار لمن تأملها يبصر بها رشده ويستدل بها على صدق ذلك الرسول.


الصفحة التالية
Icon