المسألة الثانية : اختلف أهل اللغة والمفسرون في معنى دلوك الشمس على قولين. أحدهما : أن دلوكها غروبها وهذا القول مروي عن جماعة من الصحابة، فنقل الواحدي في البسيط عن علي عليه السلام أنه قال : دلوك الشمس غروبها. وروى زر بن حبيش أن عبد الله بن مسعود قال : دلوك الشمس غروبها، وروى سعيد بن جبير هذا القول عن ابن عباس وهذا القول اختيار الفراء وابن قتيبة من المتأخرين. والقول الثاني : أن دلوك الشمس هو زوالها عن كبد السماء وهو اختيار الأكثرين من الصحابة والتابعين واحتج القائلون بهذا القول على صحته بوجوه. الحجة الأولى : روى الواحدي في البسيط عن جابر أنه قال :"طعم عندي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه ثم خرجوا حين زالت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلّم هذا حين دلكت الشمس". الحجة الثانية : روى صاحب "الكشاف" عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"أتاني جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت الشمس فصلى بي الظهر". الحجة الثالثة : قال أهل اللغة معنى الدلوك في كلام العرب الزوال ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة، وقيل لها إذا أفلت دالكة لأنها في الحالتين زائلة. هكذا قاله الأزهري وقال القفال : أصل الدلوك الميل، يقال : مالت الشمس للزوال، ويقال : مالت للغروب، إذا عرفت هذا / فنقول : وجب أن يكون المراد من الدلوك ههنا الزوال عن كبد السماء وذلك لأنه تعالى علق إقامة الصلاة بالدلوك/ والدلوك عبارة عن الميل والزوال، فوجب أن يقال إنه أول ما حصل الميل والزوال تعلق به هذا الحكم فلما حصل هذا المعنى حال ميلها من كبد السماء وجب أن يتعلق به وجوب الصلاة وذلك يدل على أن المراد من الدلوك في هذه الآية ميلها عن كبد السماء وهذه حجة قوية في هذا الباب استنبطتها بناء على ما اتفق عليه أهل اللغة : أن الدلوك عبارة عن الميل والزوال والله أعلم. الحجة الرابعة : قال الأزهري الأولى حمل الدلوك على الزوال في نصف النهار، والمعنى ﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ﴾ أي أدمها من وقت زوال الشمس إلى غسق الليل وعلى هذا التقدير فيدخل فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم قال :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ﴾ فإذا حملنا الدلوك على الزوال دخلت الصلوات الخمس في هذه الآية، وإن حملناه على الغروب لم يدخل فيه إلا ثلاث صلوات وهي المغرب والعشاء والفجر وحمل كلام الله تعالى على ما يكون أكثر فائدة أولى فوجب أن يكون المراد من الدلوك الزوال، واحتج الفراء على قوله الدلوك هو الغروب بقول الشاعر :
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٨٩
هذا مقام قدمي رباح
وقفت حتى دلكت براح
وبراح اسم الشمس أي حتى غابت، واحتج ابن قتيبة بقول ذي الرمة :
مصابيح ليست باللواتي يقودها
نجوم ولا أفلاكهن الدوالك
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف لأن عندنا الدلوك عبارة عن الميل والتغير وهذا المعنى حاصل في الغروب فكان الغروب نوعاً من أنواع الدلوك فكان وقوع لفظ الدلوك على الغروب لا ينافي وقوعه على الزوال كما أن وقوع لفظ الحيوان على الإنسان لا ينافي وقوعه على الفرس ومنهم من احتج أيضاً على صحة هذا القول بأن الدلوك اشتقاقه من الدلك لأن الإنسان يدلك عينيه عند النظر إليها وهذا إنما يصح في الوقت الذي يمكن النظر إليها ومعلوم أنها عند كونها في وسط السماء لا يمكن النظر إليها، أما عند قربها من الغروب فيمكن النظر إليها (و)عندما ينظر الإنسان إليها في ذلك الوقت يدلك عينيه، فثبت أن لفظ الدلوك مختص بالغروب. والجواب أن الحاجة إلى ذلك التبيين عند كونها في وسط السماء أتم فهذا الذي ذكرته بأن يدل على أن الدلوك عبارة عن الزوال من وسط السماء أولى والله أعلم.
المسألة الثالثة : قال الواحدي : اللام في قوله لدلوك الشمس لام الأجل والسبب وذلك لأن الصلاة إنما تجب بزوال الشمس فيجب على المصلي إقامتها لأجل دلوك الشمس.


الصفحة التالية
Icon