البحث الأول : التهجد عبارة عن صلاة الليل فقوله فتهجد به أي بالقرآن كما قال :﴿قُمِ الَّيْلَ إِلا قَلِيلا﴾ (المزمل : ٢) إلى قوله :﴿وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلا﴾ (المزمل : ٤).
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٨٩
البحث الثاني : قال الواحدي الهجود في اللغة النوم وهو معروف كثير في الشعر يقال :/ أهجدته وهجدته أي أنمته ومنه قول لبيد :
هجدنا فقد طال السرى
كأنه قال : نومنا فإن السرى قد طال علينا حتى غلبنا النوم وروى أبو عبيد عن أبي عبيدة الهاجد النائم والهاجد المصلي بالليل وروى ثعلب عن ابن الأعرابي مثل هذا القول كأنه قال هجد الرجل إذا صلى من الليل وهجد إذا نام بالليل فعند هؤلاء هذا اللفظ من الأضداد وأما الأزهري فإنه توسط في تفسير هذا اللفظ وقال المعروف في كلام العرب أن الهاجد هو النائم ثم رأينا أن في الشرع يقال لمن قام من النوم إلى الصلاة إنه متهجد فوجب أن يحمل هذا على أنه سمي متهجداً لالقائه الهجود عن نفسه كما قيل للعابد متحنث لألقائه الحنث عن نفسه وهو الإثم. ويقال فلان رجل متحرج ومتأثم ومتحوب أي يلقي الحرج والإثم والحوب عن نفسه. وأقول فيه احتمال آخر وهو أن الإنسان إنما يترك لذة النوم ويتحمل مشقة القيام إلى الصلاة ليطيب رقاده وهجوده عند الموت فلما كان غرضه من ترك هذا الهجود أن يصل إلى الهجود اللذيذ عند الموت كان هذا القيام طلباً لذلك الهجود فسمي تهجداً لهذا السبب. وفيه وجه ثالث : وهو ما روي أن الحجاج بن عمرو المازني قال : أيحسب أحدكم إذا قام من الليل فصلى حتى يصبح أنه قد تهجد إنما التهجد الصلاة بعد الرقاد ثم صلاة أخرى بعد رقدة ثم صلاة أخرى بعد رقدة هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم. إذا عرفت هذا فنقول كلما صلى الإنسان طلب هجوداً ورقاداً فلا يبعد أنه سمي تهجداً لهذا السبب.
البحث الثالث : قوله :﴿مِنْ﴾ في قوله :﴿وَمِنَ الَّيْلِ﴾ لا بد له من متعلق والفاء في قوله :﴿فَتَهَجَّدْ﴾ لا بد له من معطوف عليه والتقدير قم من الليل أي في بعض الليل فتهجد به وقوله :﴿بِه ﴾ أي بالقرآن والمراد منه الصلاة المشتملة على القرآن.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٨٩
البحث الرابع : معنى النافلة في اللغة ما كان زيادة على الأصل ذكرناه في قوله تعالى :﴿يَسْـاَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ ﴾ (الأنفال : ١) ومعناها أيضاً في هذه الآية الزيادة وفي تفسير كونها زيادة قولان مبنيان على أن صلاة الليل هل كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلّم أم لا فمن الناس من قال إنها كانت واجبة عليه ثم نسخت فصارت نافلة، أي تطوعاً وزيادة على الفرائض، وذكر مجاهد والسدي في تفسير كونها (نافلة) وجهاً حسناً قالا إنه تعالى غفر للنبي صلى الله عليه وسلّم ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكل طاعة يأتي بها سوى المكتوبة فإنه لا يكون تأثيرها في كفارة الذنوب البتة بل يكون تأثيرها في زيادة الدرجات وكثرة الثواب وكان المقصود من تلك العبادة زيادة الثواب فلهذا سميت نافلة بخلاف الأمة/ فإن لهم ذنوباً محتاجة إلى الكفارات فهذه الطاعة محتاجون إليها لتكفير الذنوب والسيئات فثبت أن هذه الطاعات إنما تكون زوائد ونوافل في حق النبي صلى الله عليه وسلّم لا في حق غيره فلهذا السبب قال :﴿نَافِلَةً لَّكَ﴾ يعني أنها زوائد ونوافل في حقك لا في حق غيرك وتقريره ما ذكرناه. وأما الذين قالوا : إن صلاة الليل كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلّم قالوا معنى كونها نافلة له على التخصيص أنها فريضة عليك زائدة على الصلوات الخمس خصصت بها من بين أمتك ويمكن نصرة هذا القول بأن قوله فتهجد / أمر وصيغة الأمر للوجوب فوجب كون هذا التهجد واجباً فلو حملنا قوله نافلة لك على عدم الوجوب لزم التعارض وهو خلاف الأصل فوجب أن يكون معنى كونها نافلة له ما ذكرناه من كون وجوبها زائداً على وجوب الصلوات الخمس والله أعلم.
البحث الخامس : قوله :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ ﴾ وإن كان ظاهر الأمر فيه مختصاً بالرسول صلى الله عليه وسلّم إلا أنه في المعنى عام في حق الأمة والدليل عليه أنه قال ومن الليل فتهجد به نافلة لك فبين أن الأمر بالتهجد مخصوص بالرسول وهذا يدل على أن الأمر بالصلاة الخمس غير مخصوص بالرسول عليه السلام وإلا لم يكن لتقييد الأمر بالتهجد بهذا القيد فائدة أصلاً والله أعلم. ثم قال تعالى :﴿عَسَى ا أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ اتفق المفسرون على أن كلمة عسى من الله واجب قال أهل المعاني لأن لفظة عسى تفيد الأطماع ومن أطمع إنساناً في شيء ثم حرمه كان عاراً والله تعالى أكرم من أن يطمع أحداً في شيء ثم لا يعطيه ذلك. وقوله :﴿مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ فيه بحثان :
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٨٩


الصفحة التالية
Icon