الحجة السابعة : قوله عليه السلام في خطبة طويلة له "حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش، ويقول يا أهلي ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال من حله وغير حله فالغنى لغيري والتبعة علي فاحذروا مثل ما حل بي" وجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلّم صرح بأن حال ما يكون الجسد محمولاً على النعش بقي هناك شيء ينادي ويقول يا أهلي ويا ولدي جمعت المال من حله وغير حله ومعلوم أن الذي كان الأهل أهلاً له وكان جامعاً للمال من الحرام والحلال والذي بقي في رقبته الوبال ليس إلا ذلك الإنسان فهذا تصريح بأن في الوقت الذي كان فيه الجسد ميتاً محمولاً كان ذلك الإنسان حياً باقياً فاهماً وذلك تصريح بأن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد ولهذا الهيكل.
الحجة الثامنة : قوله تعالى :﴿أَحَدٌ * يَـا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَـاـاِنَّةُ * ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ (الفجر : ٢٧، ٢٨) والخطاب بقوله ارجعي إنما هو متوجه عليها حال الموت فدل هذا على أن الشيء الذي يرجع إلى الله بعد موت الجسد يكون حياً راضياً عن الله ويكون راضياً عنه الله والذي يكون راضياً ليس إلا الإنسان فهذا يدل على أن الإنسان بقي حياً بعد موت الجسد والحي غير الميت فالإنسان مغاير لهذا الجسد.
الحجة التاسعة : قوله تعالى :﴿حَتَّى ا إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَـاـاهُمُ الْحَقِّ ﴾ (الأنعام : ٦١، ٦٢) أثبت كونهم مردودين إلى الله الذي هو مولاهم حال كون الجسد ميتاً فوجب أن يكون ذلك المردود إلى الله مغايراً لذلك الجسد الميت.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٩١
الحجة العاشرة : نرى جميع فرق الدنيا من الهند والروم والعرب والعجم وجميع أرباب الملل والنحل من اليهود والنصارى والمجوس والمسلمين وسائر فرق العالم وطوائفهم يتصدقون عن موتاهم ويدعون لهم بالخير ويذهبون إلى زياراتهم، ولولا أنهم بعد موت الجسد بقوا / أحياء لكان التصدق عنهم عبثاً، والدعاء لهم عبثاً، ولكان الذهاب إلى زيارتهم عبثاً، فالاطباق على هذه الصدقة وعلى هذا الدعاء وعلى هذه الزيارة يدل على أن فطرتهم الأصلية السليمة شاهدة بأن الإنسان شيء غير هذا الجسد وأن ذلك الشيء لا يموت، بل (الذي) يموت هذا الجسد.
الحجة الحادية عشرة : أن كثيراً من الناس يرى أباه أو ابنه بعد موته في المنام ويقول له اذهب إلى الموضع الفلاني فإن فيه ذهباً دفنته لك وقد يراه فيوصيه بقضاء دين عنه ثم عند اليقظة إذا فتش كان كما رآه في النوم من غير تفاوت، ولولا أن الإنسان يبقى بعد الموت لما كان كذلك، ولما دل هذا الدليل على أن الإنسان يبقى بعد الموت ودل الحس على أن الجسد ميت كان الإنسان مغايراً لهذا الجسد الميت.
الحجة الثانية عشرة : أن الإنسان إذا ضاع عضو من أعضائه مثل أن تقطع يداه أو رجلاه أو تقلع عيناه أو تقطع أذناه إلى غيرها من الأعضاء فإن ذلك الإنسان يجد من قلبه وعقله أنه هو عين ذلك الإنسان ولم يقع في عين ذلك الإنسان تفاوت حتى أنه يقول أنا ذلك الإنسان الذي كنت موجوداً قبل ذلك إلا أنه يقول إنهم قطعوا يدي ورجلي، وذلك برهان يقيني على أن ذلك الإنسان شيء مغاير لهذه الأعضاء والأبعاض وذلك يبطل قول من يقول الإنسان عبارة عن هذه البنية المخصوصة.
الحجة الثالثة عشرة : أن القرآن والأحاديث يدلان على أن جماعة من اليهود قد مسخهم الله وجعلهم في صورة القردة والخنازير فنقول : إن ذلك الإنسان هل بقي حال ذلك المسخ أو لم يبق ؟
فإن لم يبق كان هذا إماتة لذلك الإنسان وخلقاً لذلك الخنزير وليس هذا من المسخ في شيء. وإن قلنا إن ذلك الإنسان بقي حال حصول ذلك المسخ فنقول على ذلك التقدير : ذلك الإنسان باق وتلك البنية وذلك الهيكل غير باق، فوجب أن يكون ذلك الإنسان شيئاً مغايراً لتلك البنية.
الحجة الرابعة عشرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يرى جبريل عليه الصلاة والسلام في صورة دحية الكلبي وكان يرى إبليس في صورة الشيخ النجدي فها هنا بنية الإنسان وهيكله وشكله حاصل مع أن حقيقة الإنسان غير حاصلة وهذا يدل على أن الإنسان ليس عبارة عن هذه البنية، وهذا الهيكل. والفرق بين هذه الحجة والتي قبلها أنه حصلت صورة هذه البنية مع عدم هذه البنية وهذا الهيكل.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٩١
الحجة الخامسة عشرة : أن الزاني يزني بفرجه فيضرب على ظهره فوجب أن يكون الإنسان شيئاً آخر سوى الفرج وسوى الظهر، ويقال إن ذلك الشيء يستعمل الفرج في عمل والظهر في عمل آخر، فيكون المتلذذ والمتألم هو ذلك الشيء إلا أنه تحصل تلك اللذة بواسطة ذلك العضو ويتألم بواسطة الضرب على هذا العضو.


الصفحة التالية
Icon