المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى ذكر في القرآن أشياء كثيرة من معجزات موسى عليه الصلاة والسلام. أحدها : أن الله تعالى أزال العقدة من لسانه قيل في التفسير ذهبت العجمة وصار فصيحاً. وثانيها : إنقلاب العصا حية. وثالثها : تلقف الحية حبالهم وعصيهم مع كثرتها. ورابعها : اليد البيضاء وخمسة أخر وهي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. والعاشر : شق البحر وهو قوله :﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ (البقرة : ٥٠) والحادي عشر : الحجر وهو قوله :﴿أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ﴾ (الأعراف : ١٦٠). الثاني عشر : إظلال الجبل وهو قوله تعالى :﴿وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّه ظُلَّةٌ﴾. والثالث عشر : إنزال المن والسلوى عليه وعلى قومه. والرابع عشر والخامس عشر : قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ﴾ (الأعراف : ١٣٠). والسادس عشر : الطمس على أموالهم من النحل والدقيق والأطعمة والدراهم والدنانير، روى ابن عمر بن عبد العزيز سأل محمد بن كعب عن قوله :﴿تِسْعَ ءَايَـاتٍ بَيِّنَـاتٍ ﴾ فذكر محمد بن كعب في مسألة التسع حل عقدة اللسان والطمس فقال عمر بن عبد العزيز هكذا يجب أن يكون الفقيه ثم قال : يا غلام اخرج ذلك الجراب فأخرجه فنفضه فإذا فيه بيض مكسور نصفين وجوز مكسور وفول وحمص وعدس كلها حجارة إذا عرفت هذا فنقول إنه تعالى ذكر في القرآن هذه المعجزات الستة عشر لموسى عليه الصلاة والسلام وقال في هذه الآية :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايَـاتٍ بَيِّنَـاتٍ ﴾ وتخصيص التسعة بالذكر لا يقدح فيه ثبوت الزائد عليه لأنا بينا في أصول الفقه أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد بل نقول إنما يتمسك في هذه المسألة بهذه الآية ثم نقول : أما هذه التسعة فقد اتفقوا على سبعة منها وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وبقي الاثنان ولكل واحد من المفسرين قول آخر فيهما ولما لم تكن تلك الأحوال مستندة إلى حجة ظنية فضلاً عن حجة يقينية لا جرم تركت تلك الروايات، وفي تفسير قوله تعالى :﴿تِسْعَ ءَايَـاتٍ بَيِّنَـاتٍ ﴾ أقوال أجودها ما روى صفوان بن عسال أنه قال : إن يهودياً قال لصاحبه إذهب بنا إلى هذا النبي نسأله عن تسع آيات فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وسألاه عنها فاقل : هن أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا الفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود أن تعدلوا في السبت فقام اليهوديان فقبلا يديه ورجليه وقالوا نشهد إنك نبي ولولا نخاف القتل وإلا اتبعناك.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤١٦
المسألة الثالثة : قوله :﴿فَسْـالْ بَنِى إسرائيل إِذْ جَآءَهُمْ﴾ فيه مباحث :
البحث الأول : فيه وجوه : الوجه الأول : أنه اعتراض دخل في الكلام والتقدير :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايَـاتٍ بَيِّنَـاتٍ ﴾ ـ إذ جاء بني إسرائيل فاسألهم ـ وعلى هذا التقدير فليس المطلوب من / سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود وعلمائهم صدق ما ذكره الرسول فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد. والوجه الثاني : أن يكون قوله فاسأل بني إسرائيل أي سلهم عن فرعون. وقل له أرسل معي بني إسرائيل. والوجه الثالث : سل بني إسرائيل أي سلهم أن يوافقوك والتمس منهم الإيمان الصالح. وعلى هذا التأويل فالتقدير فقلنا له سلهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك.
البحث الثاني : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأن يسأل بني إسرائيل معناه الذين كانوا موجودين في زمان النبي صلى الله عليه وسلّم والذين جاءهم موسى عليه الصلاة والسلام هم الذين كانوا في زمانه إلا أن الذين كانوا في زمان محمد صلى الله عليه وسلّم لما كانوا أولاد أولئك الذين كانوا في زمان موسى حسنت هذه الكناية. ثم أخبر تعالى أن فرعون قال لموسى :﴿إِنِّى لاظُنُّكَ يَـامُوسَى مَسْحُورًا﴾ (الإسراء : ٤٥) وفي لفظ المسحور وجوه. الأول : قال الفراء : إنه بمعنى الساحر كالمشؤوم والميمون وذكرنا هذا في قوله :﴿حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾ أنه مفعول من السحر أي أن الناس سحروك وخبلوك فتقول هذه الكلمات لهذا السبب. الثالث : قال محمد بن جرير الطبري معناه أعطيت علم السحر، فهذه العجائب التي تأتي بها من ذلك السحر ثم أجابه موسى عليه الصلاة والسلام بقوله :﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـا ؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ وفيه مباحث :