أي صادراً من عنده قال الزجاج وفي :﴿لَّدُنْ﴾ لغات يقال لدن ولدي ولد والمعنى واحد، قال وهي لا تتمكن تمكن عند لأنك تقول هذا القول صواب عندي ولا تقول صواب لدني وتقول عندي مال عظيم والمال غائب عنك ولدني لما يليك لا غير وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بسكون الدال مع إشمام الضم وكسر النون والهاء وهي لغة بني كلاب ثم قال تعالى :﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّـالِحَـاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ واعلم أن المقصود من إرسال الرسل إنذار المذنبين وبشارة المطيعين، ولما كان دفع الضرر أهم عند (ذوي) لعقول من إيصال النفع لا جرم قدم الإنذار على التبشير في اللفظ، قال صاحب "الكشاف" وقرىء ويبشر بالتخفيف والتثقيل وقوله :﴿مَّـاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾ يعني خالدين وهو حال للمؤمنين من قوله :﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا﴾، قال القاضي : الآية دالة على صحة قولنا في مسائل، أحدها : أن القرآن مخلوق وبيانه من وجوه. الأول : أنه تعالى وصفه بالإنزال والنزول وذلك من صفات المحدثات فإن القديم لا يجوز عليه التغير. الثاني : وصفه بكونه كتاباً والكتب هو الجمع وهو سمي كتاباً لكونه مجموعاً من الحروف والكلمات وما صح فيه التركيب والتأليف فهو محدث. الثالث : أنه تعالى أثبت الحمد لنفسه على إنزال الكتاب والحمد إنما يستحق على النعمة والنعمة محدثة مخلوقة. الرابع : أنه وصف الكتاب بأنه غير معوج وبأنه مستقيم والقديم لا يمكن وصفه بذلك فثبت أنه محدث مخلوق. وثانيها : مسألة خلق الأعمال فإن هذه الآيات تدل على قولنا في هذه المسألة من وجوه. الأول : نفس الأمر بالحمد لأنه لو لم يكن للعبد فعل لم ينتفع بالكتاب إذ الانتفاع به إنما يحصل إذا قدر على أن يفعل ما دل الكتاب على أنه يجب فعله ويترك ما دل الكتاب على أنه يجب تركه وهو إنما يفعل ذلك لو كان مستقلاً بنفسه، أما إذا لم يكن مستقلاً بنفسه لم يكن لعوج الكتاب أثر في اعوجاج فعله ولم يكن لكون الكتاب قيماً أثر في استقامة فعله، أما إذا كان العبد قادراً على الفعل مختاراً فيه بقي لعوج الكتاب واستقامته أثر في فعله. والثاني : أنه تعالى لو كان أنزل بعض الكتاب ليكون سبباً لكفر البعض وأنزل الباقي ليؤمن البعض الآخر فمن أين أن الكتاب قيم لا عوج فيه ؟
لأنه لو كان فيه عوج لما زاد على ذلك. والثالث : قوله :﴿لِّيُنذِرَ﴾ وفيه دلالة على أنه تعالى أراد منه صلى الله عليه وسلّم / إنذار الكل وتبشير الكل وبتقدير أنه يكون خالق الكفر والإيمان هو الله تعالى لم يبق للإنذار والتبشير معنى لأنه تعالى إذا خلق الإيمان فيه حصل شاء أو لم يشأ وإذا خلق الكفر فيه حصل شاء أو لم يشاء فبقي الإنذار والتبشير على الكفر والإيمان جارياً مجرى الإنذار والتبشير على كونه طويلاً قصيراً وأسود وأبيض مما لا قدرة له عليه. والرابع : وصفه المؤمنين بأنهم يعملون الصالحات فإن كان ما وقع خلق الله تعالى فلا عمل لهم البتة. الخامس : إيجابه لهم الأجر الحسن على ما عملوا فإن كان الله تعالى يخلق ذلك فيهم فلا إيجاب ولا استحقاق.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٢٤
المسألة الرابعة : قال قوله :﴿لِّيُنذِرَ﴾ يدل على أنه تعالى إنما يفعل أفعاله لأغراض صحيحة وذلك يبطل قول من يقول إن فعله غير معلل بالغرض، واعلم أن هذه الكلمات قد تكررت في هذا الكتاب فلا فائدة في الإعادة.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٢٤
المسألة الرابعة : قال قوله :﴿لِّيُنذِرَ﴾ يدل على أنه تعالى إنما يفعل أفعاله لأغراض صحيحة وذلك يبطل قول من يقول إن فعله غير معلل بالغرض، واعلم أن هذه الكلمات قد تكررت في هذا الكتاب فلا فائدة في الإعادة.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٢٤
٤٢٦
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن قوله تعالى :﴿وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ معطوف على قوله :﴿لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ﴾ (الكهف : ٢) والمعطوف يجب كونه مغايراً للمعطوف عليه فالأول عام في حق كل من استحق العذاب. والثاني خاص بمن أثبت لله ولداً، وعادة القرآن جارية بأنه إذا ذكر قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها تنبيهاً على كونه أعظم جزئيات ذلك الكلي كقوله تعالى :﴿وَمَلـا ـاـاِكَتِه وَرُسُلِه وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـالَ﴾ (البقرة : ٩٨) فكذا ههنا العطف يدل على أن أقبح أنواع الكفر والمعصية إثبات الولد لله تعالى.


الصفحة التالية
Icon