المسألة الثالثة :﴿أَيُّ﴾ رفع بالإبتداء ﴿وَأَحْصَى ﴾ خبره وهذه الجملة بمجموعها متعلق العلم فلهذا السبب لم يظهر عمل قوله :﴿لِنَعْلَمَ﴾ في لفظة ﴿أَيُّ﴾ بل بقيت على ارتفاعها ونظيره قوله : اذهب فاعلم أيهم قام قال تعالى :﴿سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَالِكَ زَعِيمٌ﴾ (القلم : ٤٠) وقوله :﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَـن ِ عِتِيًّا﴾ (مريم : ٦٩) وقرىء ليعلم على فعل ما لم يسم فاعله وفي هذه القراءة فائدتان. إحداهما : أن على هذا التقدير لا يلزم إثبات العلم المتجدد لله بل المقصود أنا بعثناهم ليحصل هذا العلم لبعض الخلق. والثانية : أن على هذا التقدير يجب ظهور النصب في لفظة أي، لكن لقائل أن يقول : الإشكال بعد باق لأن ارتفاع لفظة أي بالإبتداء لا بإسناد يعلم إليه. ولمجيب أن يجيب فيقول : إنه لا يمتنع اجتماع عاملين على معمول واحد لأن العوامل النحوية علامات ومعرفات ولا يمتنع اجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد والله أعلم.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٤١
المسألة الرابعة : اختلفوا في الحزبين فقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : المراد بالحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة ملكاً بعد ملك، فالملوك حزب وأصحاب الكهف حزب. والقول الثاني : قال مجاهد : الحزبان من هذه الفتية لأن أصحاب الكهف لما انتبهوا اختلفوا في أنهم كم ناموا والدليل عليه قوله تعالى :﴿قَالَ قَآاـاِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُم قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍا قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ (الكهف : ١٩) فالحزبان هما هذان، وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول. القول الثالث : قال الفراء : إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم.
المسألة الخامسة : قال أبو علي الفارسي قوله أحصى ليس من باب أفعل التفضيل لأن هذا البناء من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس فأما قولهم ما أعطاه للدرهم وما أولاه للمعروف وأعدى من الجرب وأفلس من ابن المدلق، فمن الشواذ والشاذ لا يقاس عليه بل الصواب أن أحصى فعل ماضٍ وهو خبر المبتدأ والمبتدأ والخبر مفعول نعلم وأمداً مفعول به لأحصى وما في قوله تعالى :﴿لِمَا لَبِثُوا ﴾ مصدرية والتقدير أحصى أمداً للبثهم، وحاصل الكلام لنعلم أي الحزبين أحصى أمد ذلك اللبث، ونظيره قوله :﴿أَحْصَـاـاهُ اللَّهُ﴾ (المجادلة : ٦) وقوله :﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدَا ﴾ (الجن : ٢٨).
المسألة السادسة : احتج أصحابنا الصوفية بهذه الآية على صحة القول بالكرامات وهو استدلال ظاهر ونذكر هذه المسألة ههنا على سبيل الاستقصاء فنقول قبل الخوض في الدليل على جواز الكرامات نفتقر إلى تقديم مقدمتين :
المقدمة الأولى : في بيان أن الولي ما هو فنقول ههنا وجهان، الأول : أن يكون فعيلاً مبالغة من الفاعل كالعليم والقدير فيكون معناه من توالت طاعاته من غير تخلل معصية. الثاني :/ أن يكون فعيلاً بمعنى مفعول كقتيل وجريح بمعنى مقتول ومجروح. وهو الذي يتولى الحق سبحانه حفظه وحراسته على التوالي عن كل أنواع المعاصي ويديم توفيقه على الطاعات واعلم أن هذا الاسم مأخوذ من قوله تعالى :﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ (البقرة : ٢٥٧) وقوله :﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّـالِحِينَ﴾ (الأعراف : ١٩٦) وقوله تعالى :﴿أَنتَ مَوْلَـانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـافِرِينَ﴾ (البقرة : ٢٨٦) وقوله :﴿ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ الْكَـافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾ (محمد : ١١) وقوله :﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُه ﴾ (المائدة : ٥٥) وأقول الولي هو القريب في اللغة فإذا كان العبد قريباً من حضرة الله بسبب كثرة طاعاته وكثرة إخلاصه وكان الرب قريباً منه برحمته وفضله وإحسانه فهناك حصلت الولاية.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٤١


الصفحة التالية
Icon