﴿بَـاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ أي يلقيهما على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين، ومنه الحديث في الصلاة :"أنه نهى عن افتراش السبع" وقال :"لا تفترش ذراعيك افتراش السبع" قوله :﴿بِالْوَصِيدِ ﴾ يعني فناء الكهف قال الزجاج الوصيد فناء البيت وفناء الدار وجمعه وصائد ووصد، وقال يونس والأخفش والفراء الوصيد والأصيد لغتان مثل الوكاف والإكاف، وقال السدي : الباب والكهف لا يكون له باب ولا عتبة وإنما أراد أن الكلب منه بموضع العتبة من البيت، ثم قال :﴿بِالْوَصِيدِا لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ﴾ أي أشرفت عليهم يقال اطلعت عليهم أي أشرفت عليهم، ويقال أطلعت فلاناً على الشيء فاطلع وقوله :﴿لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا﴾ قال الزجاج قوله :﴿فِرَارًا﴾ منصوب على المصدر لأن معنى وليت منهم فررت :﴿وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ أي فزعاً وخوفاً قيل في التفسير طالت شعورهم وأظفارهم وبقيت أعينهم مفتوحة وهم نيام، فلهذا السبب لو رآهم الرائي لهرب منهم مرعوباً، وقيل : إنه تعالى جعلهم بحيث كل من رآهم فزع فزعاً شديداً، فأما تفصيل سبب الرعب فالله أعلم به. وهذا هو الأصح وقوله :﴿وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ قرأ نافع وابن كثير لملئت بتشديد اللام والهمزة والباقون بتخفيف اللام، وروى عن ابن كثير بالتخفيف والمعنى واحد إلا أن في التشديد مبالغة/ قال الأخفش الخفيفة أجود في كلام العرب، يقال : ملأتني رعباً، ولا يكادون يعرفون ملأتني، ويدل على هذا أكثر استعمالهم كقوله :
فيملأ بيتنا أقطاً وسمناً
وقول الآخر :
ومن مالىء عينيه من شيء غيره
إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى
وقال الآخر :
لا تملأ الدلو وعرق فيها
وقال الآخر :
امتلأ الحوض وقال قطني
وقد جاء التثقيل أيضاً، وأنشدوا للمخبل السعدي :
وإذا قتل النعمان بالناس محرما
فملأ من عوف بن كعب سلاسله
وقرأ ابن عامر والكسائي رعباً بضم العين في جميع القرآن والباقون بالإسكان.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٤٥
٤٤٦
اعلم أن التقدير وكما :﴿فَضَرَبْنَا عَلَى ا ءَاذَانِهِمْ فِى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَـاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا * نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّا إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَـاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ لَن نَّدْعُوَا مِن دُونِه إِلَـاهًا لَّقَدْ قُلْنَآ إِذًا شَطَطًا﴾ وأنمناهم وأبقيناهم أحياء لا يأكلون ولا يشربون ونقلبهم فكذلك بعثناهم أي أحييناهم من تلك النومة التي تشبه الموت ليتساءلوا بينهم تساءل تنازع واختلاف في مدة لبثهم، فإن قيل : هل يجوز أن يكون الغرض من بعثهم أن يتساءلوا ويتنازعوا ؟
قلنا : لا يبعد ذلك لأنهم إذا تساءلوا انكشف لهم من قدرة الله تعالى أمور عجيبة وأحوال غريبة، وذلك الانكشاف أمر مطلوب لذاته. ثم قال تعالى :/ ﴿قَالَ قَآاـاِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ﴾ أي كم مقدار لبثنا في هذا الكهف :﴿لَبِثْتُم قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ قال المفسرون إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم الله في آخر النهار، فلذلك قالوا لبثنا يوماً فلما رأوا الشمس باقية قالوا أو بعض يوم، ثم قال تعالى :﴿قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾، قال ابن عباس هو رئيسهم يمليخا رد علم ذلك إلى الله تعالى لأنه لما نظر إلى أشعارهم وأظفارهم وبشرة وجوههم رأى فيها آثار التغير الشديد فعلم أن مثل ذلك التغير لا يحصل إلا في الأيام الطويلة. ثم قال :﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَـاذِه إِلَى الْمَدِينَةِ﴾
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٤٦


الصفحة التالية
Icon