البحث الرابع : ذكروا في فائدة الواو في قوله :﴿وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ وجوهاً الوجه الأول : ما ذكرنا أنه يدل على أن هذا القول أولى من سائر الأقوال. وثانيها : أن السبعة عند العرب أصل في المبالغة في العدد قال تعالى :﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ وإذا كان كذلك فإذا وصلوا إلى الثمانية ذكروا لفظاً يدل على الاستئناف، فقالوا وثمانية، فجاء هذا الكلام على هذا القانون، قالوا : ويدل عليه نظيره في ثلاث آيات، وهي قوله :﴿وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (التوبة : ١١٢) لأن هذا هو العدد الثامن من الأعداد المتقدمة وقوله :﴿حَتَّى ا إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ (الزمر : ٧٣) لأن أبواب الجنة ثمانية، وأبواب النار سبعة، وقوله :﴿ثَيِّبَـاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ (التحريم : ٥) هو العدد الثامن مما تقدم، والناس يسمون هذه الواو واو الثمانية، ومعناه ما ذكرناه، قال القفال : وهذا ليس بشيء، والدليل عليه قوله تعالى :﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَـامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾ (الحشر : ٢٣) ولم يذكر الواو في النعت الثامن، ثم قال تعالى :﴿قُل رَّبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ ﴾ وهذا هو الحق، لأن العلم بتفاصيل كائنات العالم والحوادث التي حدثت في الماضي والمستقبل لا تحصل إلا عند الله تعالى، وإلا عند من أخبره الله عنها، وقال ابن عباس أنا من أولئك القليل، قال القاضي : إن كان قد عرفه ببيان الرسول صح، وإن كان قد تعلق فيه بحرف الواو فضعيف، ويمكن أن يقال : الوجوه السبعة المذكورة وإن كانت لا تفيد الجزم إلا أنها تفيد الظن، واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه القصة أتبعه بأن نهي رسوله عن شيئين/ عن المراء والاستفتاء، أما النهي عن المراء، فقوله :﴿فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَآءً ظَـاهِرًا﴾ والمراد من المراء الظاهر أن لا يكذبهم في تعيين ذلك العدد، بل يقول : هذا التعيين لا دليل عليه، فوجب التوقف وترك القطع. ونظيره قوله تعالى :﴿وَلا تُجَـادِلُوا أَهْلَ الْكِتَـابِ إِلا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾ (العنكبوت : ٤٦) وأما النهي عن الاستفتاء فقوله :﴿وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾، وذلك لأنه لما ثبت أنه ليس عندهم علم في هذا الباب وجب المنع من استفتائهم، واعلم أن نفاة القياس تمسكوا بهذه الآية قالوا لأن قوله :﴿رَجْمَا بِالْغَيْبِ ﴾ وضع الرجم فيه موضع الظن فكأنه قيل : ظناً بالغيب لأنهم أكثروا أن يقولوا : رجم بالظن مكان قولهم ظن، حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين، ألا ترى إلى قوله :
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٥٠
وما هو عنها بالحديث المرجم
أي المظنون هكذا قاله صاحب الكشاف، وذلك يدل على أن القول بالظن مذموم عند الله ثم إنه تعالى لما ذم هذه الطريقة رتب عليه من استفتاء هؤلاء الظانين، فدل ذلك على أن الفتوى بالمظنون غير جائز عند الله، وجواب مثبتي القياس عنه قد ذكرناه مراراً.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٥٠
٤٥٤
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال المفسرون إن القوم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلّم عن المسائل الثلاثة، قال عليه السلام أجيبكم عنها غداً ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس الوحي خمسة عشر يوماً وفي رواية أخرى أربعين يوماً، ثم نزلت هذه الآية، اعترض القاضي على هذا الكلام من وجهين. الأول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان عالماً بأنه إذا أخبر عن أنه سيفعل الفعل الفلاني غداً فربما جاءته الوفاة قبل الغد، وربما عاقه عائق آخر عن الإقدام على ذلك الفعل غداً، وإذا كان كل هذه الأمور محتملاً، فلو لم يقل إن شاء الله ربما خرج الكلام مخالفاً لما عليه الوجود وذلك يوجب التنفير عنه، وعن كلامه عليه السلام، أما إذا قال إن شاء الله كان محترزاً عن هذا المحذور، وإذا كان كذلك كان من البعيد أن يعد بشيء ولم يقل فيه إن شاء الله. الثاني : أن هذه الآية مشتملة على فوائد كثيرة وأحكام جمة فيبعد قصرها على هذا السبب ويمكن أن يجاب عن الأول : أنه لا نزاع أن الأولى أن يقول إن شاء الله إلا أنه ربما اتفق له أنه نسي هذا الكلام لسبب من الأسباب فكان ذلك من باب ترك الأولى والأفضل، وأن يجاب عن الثاني أن اشتماله على الفوائد الكثيرة لا يمنع من أن يكون سبب نزوله واحداً منها.


الصفحة التالية
Icon