﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ (المائدة : ١) وقال :﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ﴾ (الإسراء : ٣٤) فالآتي بالعهد يجب عليه الوفاء بمقتضاه لأجل هذه الآيات / خالفنا هذا الدليل فيما إذا كان متصلاً لأن الاستثناء مع المستثنى منه كالكلام الواحد بدليل أن لفظ الاستثناء وحده لا يفيد شيئاً، فهو جار مجرى نصف اللفظ الواحدة، فجملة الكلام كالكلمة الواحدة المفيدة، وعلى هذا التقدير فعند ذكر الاستثناء عرفنا أنه لم يلزم شيء بخلاف ما إذا كان الاستثناء متصلاً فإنه حصل الالتزام التام بالكلام فوجب عليه الوفاء بذلك الملتزم والقول الثاني أن قوله :﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ لا تعلق له بما قبله بل هو كلام مستأنف وعلى هذا القول ففيه وجوه. أحدها : واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء، والمراد منه الترغيب في الاهتمام بذكر هذه الكلمة. وثانيها : واذكر ربك إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسي. وثالثها : حمله بعضهم على أداء الصلاة المنسية عند ذكرها، وهذا القول بما فيه من الوجوه الثلاثة بعيد لأن تعلق هذا الكلام بما قبله يفيد إتمام الكلام في هذه القضية وجعله كلاماً مستأنفاً يوجب صيرورة الكلاء مبتدأ منقطعاً وذلك لا يجوز ثم قال تعالى :﴿وَقُلْ عَسَى ا أَن يَهْدِيَنِ رَبِّى لاقْرَبَ مِنْ هَـاذَا رَشَدًا﴾ وفيه وجوه : الأول : أن ترك قوله :﴿أَن يَشَآءَ اللَّه ﴾ ليس بحسن وذكره أحسن من تركه وقوله :﴿لاقْرَبَ مِنْ هَـاذَا رَشَدًا﴾ المراد منه ذكر هذه الجملة. الثاني : إذا وعدهم بشيء وقال معه إن شاء الله فيقول عسى أن يهديني ربي لشيء أحسن وأكمل مما وعدتكم به. والثالث : أن قوله :﴿لاقْرَبَ مِنْ هَـاذَا رَشَدًا﴾ إشارة إلى نبأ أصحاب الكهف ومعناه لعل الله يؤتيني من البينات والدلائل على صحة أني نبي من عند الله صادق القول في ادعاء النبوة ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشداً من نبأ أصحاب الكهف. وقد فعل الله ذلك حيث آتاه من قصص الأنبياء والإخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك، وأما قوله تعالى :﴿وَلَبِثُوا فِى كَهْفِهِمْ ثَلَـاثَ مِا ئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوْا ا لَه غَيْبُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِا أَبْصِرْ بِه وَأَسْمِعْا مَا لَهُم مِّن دُونِه مِن وَلِىٍّ وَلا يُشْرِكُ فِى حُكْمِه أَحَدًا﴾
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٥٤
فاعلم أن هذه الآية آخر الآيات المذكورة في قصة أصحاب الكهف وفي قوله :﴿وَلَبِثُوا فِى كَهْفِهِمْ﴾ قولان : الأول : أن هذا حكاية كلام القوم والدليل عليه أنه تعالى قال :﴿سَيَقُولُونَ ثَلَـاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ وكذا إلى أن قال :﴿وَلَبِثُوا فِى كَهْفِهِمْ﴾ أي أن أولئك الأقوام قالوا ذلك ويؤكده أنه تعالى قال بعده :﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوْا ﴾ وهذا يشبه الرد على الكلام المذكور قبله ويؤكده أيضاً ما روي في مصحف عبد الله : وقالوا ولبثوا في كهفهم. والقول الثاني : أن قوله :﴿وَلَبِثُوا فِى كَهْفِهِمْ﴾ هو كلام الله تعالى فإنه أخبر عن كمية تلك المدة/ وأما قوله :﴿سَيَقُولُونَ ثَلَـاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ فهو كلام قد تقدم وقد تخلل بينه وبين هذه الآية ما يوجب انقطاع أحدهما عن الآخر وهو قوله :﴿فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَآءً ظَـاهِرًا﴾ وقوله :﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوْا ا لَه غَيْبُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ لا يوجب أن ما قبله حكاية، وذلك لأنه تعالى أراد :﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوْا ا لَه غَيْبُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ فارجعوا إلى خبر الله دون ما يقوله أهل الكتاب.
المسألة الثانية : قرأ حمزة والكسائي ثلثمائة سنين بغير تنوين والباقون بالتنوين وذلك لأن قوله :﴿سِنِينَ﴾ عطف بيان لقوله : لأنه لما قال :﴿وَلَبِثُوا فِى كَهْفِهِمْ﴾ لم يعرف أنها أيام أم شهور أم سنون فلما قال سنين صار هذا بياناً لقوله : فكان هذا عطف بيان له وقيل هو على التقديم والتأخير أي لبثوا سنين ثلثمائة. وأما وجه قراءة حمزة فهو أن الواجب في الإضافة ثلثمائة سنة إلا أنه يجوز وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله :﴿نُنَبِّئُكُم بِالاخْسَرِينَ أَعْمَـالا﴾ (الكهف : ١٠٣).
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٥٤


الصفحة التالية
Icon