أي مضيعاً، فقوله وكان أمره فرطاً معناه أن الأمر الذي يلزمه الحفظ له والاهتمام به وهو أمر دينه يكون مخصوصاً بإيقاع التفريط والتقصير فيه، وهذه الحالة صفة من لا ينظر لدينه وإنما عمله لدنياه. فبين تعالى من حال الغافلين عن ذكر الله التابعين لهواهم أنهم مقصرون في مهماتهم معرضون عما وجب عليهم من التدبر في الآيات والتحفظ بمهمات الدنيا والآخرة، والحاصل أنه تعالى وصف أولئك الفقراء بالمواظبة على ذكر الله والإعراض عن غير ذكر الله فقال :﴿مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَواةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه ﴾ ووصف هؤلاء الأغنياء بالإعراض عن ذكر الله تعالى والإقبال على غير الله وهو قوله :﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَه عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاـاهُ﴾ ثم أمر رسوله بمجالسة أولئك والمباعدة عن هؤلاء، روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنت جالساً في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستر بعضاً من العرى وقارىء يقرأ القرآن فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : ماذا كنتم تصنعون ؟
قلنا : يا رسول الله كان واحد يقرأ من كتاب الله ونحن نستمع، فقال عليه السلام :"الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت إلى أن أصبر نفسي معهم" ثم جلس وسطنا وقال :"أبشروا يا صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل الأغنياء بمقدار خمسين ألف سنة".
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٥٨
المسألة الثانية : قوله :﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَه عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاـاهُ﴾ يدل على أن شر أحوال الإنسان أن يكون قلبه خالياً عن ذكر الحق ويكون مملوءاً من الهوى الداعي إلى الاشتغال بالخلق وتحقيق القول أن ذكر الله نور وذكر غيره ظلمة لأن الوجود طبيعة النور والعدم منبع الظلمة، والحق تعالى واجب الوجود لذاته فكان النور الحق هو الله، وما سوى الله فهو ممكن الوجود لذاته. والإمكان طبيعة عدمية فكان منبع الظلمة فالقلب إذا أشرق فيه ذكر الله فقد حصل فيه النور والضوء والإشراق، وإذا توجه القلب إلى الخلق فقد حصل فيه الظلم والظلمة بل الظلمات، فلهذا السبب إذا أعرض القلب عن الحق وأقبل على الخلق فهو الظلمة الخالصة التامة، فالإعراض عن الحق هو المراد بقوله :﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَه عَن ذِكْرِنَا﴾ والإقبال على الخلق هو المراد بقوله :﴿وَاتَّبَعَ هَوَاـاهُ﴾.
المسألة الثالثة : قيل :﴿فُرُطًا﴾ أي مجاوزاً للحد من قولهم : فرس فرط، إذا كان متقدماً الخيل، قال الليث : الفرط الأمر الذي يفرط فيه يقال كل أمر فلان فرط، وأنشد شعراً :
لقد كلفني شططا
وأمراً خائباً فرطا
أي مضيعاً، فقوله وكان أمره فرطاً معناه أن الأمر الذي يلزمه الحفظ له والاهتمام به وهو أمر دينه يكون مخصوصاً بإيقاع التفريط والتقصير فيه، وهذه الحالة صفة من لا ينظر لدينه وإنما عمله لدنياه. فبين تعالى من حال الغافلين عن ذكر الله التابعين لهواهم أنهم مقصرون في مهماتهم معرضون عما وجب عليهم من التدبر في الآيات والتحفظ بمهمات الدنيا والآخرة، والحاصل أنه تعالى وصف أولئك الفقراء بالمواظبة على ذكر الله والإعراض عن غير ذكر الله فقال :﴿مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَواةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه ﴾ ووصف هؤلاء الأغنياء بالإعراض عن ذكر الله تعالى والإقبال على غير الله وهو قوله :﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَه عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاـاهُ﴾ ثم أمر رسوله بمجالسة أولئك والمباعدة عن هؤلاء، روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنت جالساً في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستر بعضاً من العرى وقارىء يقرأ القرآن فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : ماذا كنتم تصنعون ؟
قلنا : يا رسول الله كان واحد يقرأ من كتاب الله ونحن نستمع، فقال عليه السلام :"الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت إلى أن أصبر نفسي معهم" ثم جلس وسطنا وقال :"أبشروا يا صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل الأغنياء بمقدار خمسين ألف سنة".
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٥٨
٤٦٠
في الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon