والبحث الثاني : قرأ ابن عامر ويعقوب الحضرمي ونافع في رواية :﴿لَّـاكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّى﴾ في الوصل بالألف. وفي قراءة الباقين :﴿لَّـاكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّى﴾ بغير ألف والمعنى واحد ثم قال المؤمن :﴿وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّى أَحَدًا﴾ ذكر القفال فيه وجوهاً : أحدها : إني لا أرى الفقر والغنى إلا منه فأحمده إذا أعطى وأصبر إذا ابتلي ولا أتكبر عندما ينعم علي ولا أرى كثرة المال والأعوان من نفسي وذلك لأن الكافر لما اعتز بكثرة المال والجاه فكأنه قد أثبت لله شريكاً في إعطاء العز والغنى. وثانيها : لعل ذلك الكافر مع كونه منكراً للبعث كان عابد صنم فبين هذا المؤمن فساد قوله بإثبات الشركاء. وثالثها : أن هذا الكافر لما عجز الله عن البعث والحشر فقد جعله مساوياً للخلق في هذا العجز وإذا أثبت المساواة فقد أثبت الشريك ثم قال المؤمن للكافر :﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّه ﴾ فأمره أن يقول هذين الكلامين الأول قوله :﴿مَا شَآءَ اللَّهُ﴾ وفيه وجهان : الأول : أن تكون (ما) شرطية ويكون الجزاء محذوفاً والتقدير أي شيء شاء الله كان. والثاني : أن تكون ما موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ محذوف وتقديره الأمر ما شاء الله، واحتج أصحابنا بهذا على أن كل ما أراده الله وقع وكل ما لم يرده لم يقع وهذا يدل على أنه ما أراد الله الإيمان من الكافر وهو صريح في إبطال قول المعتزلة أجاب الكعبي عنه بأن تأويل قولهم : ما شاء مما تولى فعله لا مما هو فعل العباد كما قالوا : لا مرد لأمر الله لم يرد ما أمر به العباد ثم قال : لا يمتنع أن يحصل في سلطانه ما لا يريده كما يحصل فيه ما نهى عنه، واعلم أن الذي ذكر الكعبي ليس جواباً عن الاستدلال بل هو التزام المخالفة لظاهر النص وقياس الإرادة على الأمر، باطل لأن هذا النص دال على أنه لا يوجد إلا ما أراده الله وليس في النصوص ما يدل على أنه لا يدخل في الوجود إلا ما أمر به فظهر الفرق وأجاب القفال عنه بأن قال : هلا إذا دخلت بستانك قلت ما شاء الله كقول الإنسان هذه الأشياء الموجودة في هذا البستان ما شاء الله، ومثله قوله :﴿سَيَقُولُونَ ثَلَـاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ وهم ثلاثة وقوله :
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٦٧
﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ (البقرة : ٥٨) أي قولوا هذه حطة وإذا كان كذلك كان المراد من هذا الشيء الموجود في البستان شيء شاء الله تكوينه وعلى هذا التقدير لم يلزم أن يقال كل ما شاء الله وقع لأن هذا الحكم غير عام في الكل بل مختص بالأشياء المشاهدة في البستان وهذا التأويل الذي ذكره القفال أحسن بكثير مما ذكره الجبائي والكعبي، وأقول : إنه على جوابه لا يدفع الإشكال على المعتزلة لأن عمارة ذلك البستان ربما حصلت بالغصوب والظلم الشديد فلا يصح أيضاً على قول المعتزلة أن يقال : هذا واقع بمشيئة الله. اللهم إلا أن نقول المراد أن هذه الثمار حصلت بمشيئة الله تعالى إلا أن هذا تخصيص لظاهر النص من غير دليل. والكلام الثاني : الذي أمر المؤمن الكافر بأن يقوله هو قوله :﴿لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّه ﴾ أي لا قوة لأحد على أمر من الأمور إلا بإعانة الله وإقداره. والمقصود إنه قال المؤمن للكافر : هلا قلت عند دخول جنتك الأمر ما شاء الله والكائن ما قدره الله اعترافاً بأنها وكل خير فيها بمشيئة الله وفضله فإن أمرها بيده إن شاء تركها وإن شاء خربها، وهلا قلت لا قوة إلا بالله إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها فهو بمعونة الله وتأييده لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلا بالله ثم إن المؤمن لما علم الكافر الإيمان أجابه عن افتخاره بالمال والنفر فقال :﴿إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا﴾ من قرأ أقل بالنصب فقد جعل أنا فصلاً وأقل مفعولاً ثانياً ومن قرأ بالرفع جعل قوله :﴿إِنَّآ﴾ مبتدأ وقوله ﴿أَقُلْ﴾ خبر والجملة مفعولاً ثانياً لترن واعلم أن ذكر الولد ههنا يدل على أن المراد بالنفر المذكور في قوله :﴿وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ الأعوان والأولاد كأنه يقول له : إن كنت تراني :﴿أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا﴾ وأنصاراً في الدنيا الفانية :﴿فَعَسَى رَبِّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ﴾ إما في الدنيا، وإما في الآخرة. ويرسل على جنتك :﴿حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ﴾ أي عذاباً وتخريباً والحسبان مصدر كالغفران والبطلان بمعنى الحساب / أي مقداراً قدره الله وحسبه وهو الحكم بتخريبها. قال الزجاج : عذاب حسبان وذلك الحسبان حسبان ما كسبت يداك وقيل حسباناً أي مرامي الواحد منها حسبانة وهي الصواعق :
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٦٧


الصفحة التالية
Icon