المسألة الثانية :﴿هُنَالِكَ الْوَلَـايَةُ لِلَّهِ﴾ فيه وجوه. الأول : أنه تعالى لما ذكر من قصة الرجلين ما ذكر علمنا أن النصرة والعاقبة المحمودة كانت للمؤمن على الكافر وعرفنا أن الأمر هكذا يكون في حق كل مؤمن وكافر فقال :﴿هُنَالِكَ الْوَلَـايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ﴾ أي في مثل ذلك الوقت وفي مثل ذلك المقام تكون الولاية لله يوالي أولياءه فيغلبهم على أعدائه ويفوض أمر الكفار إليهم فقوله هنالك إشارة إلى الموضع والوقت الذي يريد الله إظهار كرامة أوليائه وإذلال أعدائه (فيهما). والوجه الثاني : في التأويل أن يكون المعنى في مثل تلك الحالة الشديدة يتولى الله ويلتجيء إليه كل محتاج مضطر يعني أن قوله :﴿وَيَقُولُ يَـالَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّى أَحَدًا﴾ كلمة ألجيء إليها ذلك الكافر فقالها جزعاً مما ساقه إليه شؤم كفره ولولا ذلك لم يقلها. والوجه الثالث : المعنى هنالك الولاية لله ينصر بها أولياءه المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم ويشفي صدورهم من أعدائهم يعني أنه تعالى نصر بما فعل بالكافر أخاه المؤمن وصدق قوله في قوله :﴿فَعَسَى رَبِّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ﴾ ويعضده قوله :﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ أي لأوليائه. والوجه الرابع : أن قوله هنالك إشارة إلى الدار الآخرة أي في تلك الدار الآخرة الولاية لله كقوله لمن الملك اليوم لله ثم قال تعالى :﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا﴾ أي في الآخرة لمن آمن به والتجأ إليه :﴿وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ أي هو خير عاقبة لمن رجاه وعمل لوجهه وقد ذكرنا أنه قرىء عقبى بضم القاف وسكونها وعقبى على فعلى وكلها بمعنى العاقبة.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٦٧
اعلم أن المقصود : اضرب مثلاً آخر يدل على حقارة الدنيا وقلة بقائها والكلام متصل بما تقدم من قصة المشركين المتكبرين على فقراء المؤمنين فقال :﴿وَاضْرِبْ لَهُم﴾ أي لهؤلاء الذين افتخروا بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين :﴿مَّثَلَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ ثم ذكر المثل فقال :﴿كَمَآءٍ أَنزَلْنَـاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِه نَبَاتُ الارْضِ﴾ وحينئذ يربو ذلك النبات ويهتز ويحسن منظره كما قال تعالى :﴿فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ (الحج : ٥) ثم إذا انقطع ذلك مدة جف ذلك النبات وصار هشيماً، وهو النبت المتكسر المتفتت. ومنه قوله : هشمت أنفه وهشمت الثريد. وأنشد :
عمرو الذي هشم الثريد لأهله
ورجال مكة مسنتون عجاف
وإذا صار النبات كذلك طيرته الرياح وذهبت بتلك الأجزاء إلى سائر الجوانب :﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾ بتكوينه أولاً وتنميته وسطاً وإبطاله آخراً وأحوال الدنيا أيضاً كذلك تظهر أولاً في غاية الحسن والنضارة ثم تتزايد قليلاً قليلاً ثم تأخذ في الانحطاط إلى أن تنتهي إلى الهلاك والفناء ؛ ومثل هذا الشيء ليس للعاقل أن يبتهج به. والباء في قوله :﴿فَاخْتَلَطَ بِه نَبَاتُ الارْضِ﴾ فيه وجوه. الأول : التقدير فاختلط بعض أنواع النبات بسائر الأنواع بسبب هذا الماء وذلك لأن عند نزول المطر يقوي النبات ويختلط بعضه بالبعض ويشتبك بعضه بالبعض ويصير في المنظر في غاية الحسن والزينة. والثاني : فاختلط ذلك الماء بالنبات واختلط ذلك النبات بالماء حتى روى ورف رفيفاً. وكان حق اللفظ على هذا التفسير فاختلط بنبات الأرض ووجه صحته أن كل مختلطين موصوف كل واحد منها بصفة صاحبه.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٦٧
٤٦٨


الصفحة التالية
Icon