ثم قال أبو الريحان ويشبه أن يكون هذا القول أقرب لأن الأذواء كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلو أساميهم من ذي كذا كذي النادي وذي نواس وذي النون وغير ذلك. والقول الثالث : أنه كان عبداً صالحاً ملكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وألبسه الهيبة، وإن كنا لا نعرف أنه من هو ثم ذكروا في تسميته بذي القرنين وجوهاً : الأول : سأل ابن الكوا علياً رضي الله عنه عن ذي القرنين وقال أملك هو أم نبي فقال : لا ملك ولا نبي كان عبداً صالحاً ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمى بذي القرنين وملك ملكه. الثاني : سمي بذي القرنين لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس. الثالث : قيل كان صفحتاً رأسه من نحاس. الرابع : كان على رأسه ما يشبه القرنين. الخامس :(كان) لتاجه قرنان. السادس : عن النبي صلى الله عليه وسلّم سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا يعني شرقها وغربها. السابع : كان له قرنان أي ضفيرتان. الثامن : أن الله تعالى سخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتمده الظلمة من ورائه. التاسع : يجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما يسمى الشجاع كبشاً كأنه ينطح أقرانه. العاشر : رأى في المنام كأنه صعد الفلك فتعلق بطرفي الشمس وقرنيها وجانبيها فسمي / لهذا السبب بذي القرنين. الحادي عشر : سمي بذلك لأنه دخل النور والظلمة. والقول الرابع : أن ذا القرنين ملك من الملائكة عن عمر أنه سمع رجلاً يقول : يا ذا القرنين فقال : اللهم اغفر. أما رضيتم أن تسموا بأسماء الأنبياء حتى تسموا بأسماء الملائكة فهذا جملة ما قيل في هذا الباب، والقول الأول أظهر لأجل الدليل الذي ذكرناه وهو أن مثل هذا الملك العظيم يجب أن يكون معلوم الحال عند أهل الدنيا والذي هو معلوم الحال بهذا الملك العظيم هو الإسكندر فوجب أن يكون المراد بذي القرنين هو هو إلا أن فيه إشكالاً قوياً وهو أنه كان تلميذ أرسططاليس الحكيم وكان على مذهبه فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسططاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل إليه والله أعلم.
المسألة الثالثة : اختلفوا في ذي القرنين هل كان من الأنبياء أم لا ؟
منهم من قال : إنه كان نبياً واحتجوا عليه بوجوه. الأول : قوله :﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَه فِى الارْضِ﴾ والأولى حمله على التمكين في الدين والتمكين الكامل في الدين هو النبوة. والثاني : قوله :﴿وَءَاتَيْنَـاهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا﴾ ومن جملة الأشياء النبوة فمقتضى العموم في قوله :﴿وَءَاتَيْنَـاهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا﴾ هو أنه تعالى آتاه في النبوة سبباً. الثالث : قوله تعالى :﴿قُلْنَا يَـاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ والذي يتكلم الله معه لا بد وأن يكون نبياً ومنهم من قال إنه كان عبداً صالحاً وما كان نبياً.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٩٥
المسألة الرابعة : في دخول السين في قوله :﴿سَأَتْلُوا ﴾ معناه إني سأفعل هذا إن وفقني الله تعالى عليه وأنزل فيه وحياً وأخبرني عن كيفية تلك الحال/ وأما قوله تعالى :﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَه فِى الارْضِ﴾ فهذا التمكين يحتمل أن يكون المراد منه التمكين بسبب النبوة ويحتمل أن يكون المراد منه التمكين بسبب الملك من حيث إنه ملك مشارق الأرض ومغاربها والأول أولى لأن التمكين بسبب النبوة أعلى من التمكين بسبب الملك وحمل كلام الله على الوجه الأكمل الأفضل أولى ثم قال :﴿وَءَاتَيْنَـاهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا﴾ قالوا : السبب في أصل اللغة عبارة عن الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى المقصود وهو يتناول العلم والقدرة والآلة فقوله :﴿وَءَاتَيْنَـاهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا﴾ معناه : أعطيناه من كل شيء من الأمور التي يتوصل بها إلى تحصيل ذلك الشيء ثم إن الذين قالوا : إنه كان نبياً قالوا : من جملة الأشياء النبوة فهذه الآية تدل على أنه تعالى أعطاه الطريق الذي به يتوصل إلى تحصيل النبوة، والذين أنكروا كونه نبياً قالوا : المراد به وآتيناه من كل شيء يحتاج إليه في إصلاح ملكه سبباً، إلا أن لقائل أن يقول : إن تخصيص العموم خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا بدليل، ثم قال :﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ ومعناه أنه تعالى لما أعطاه من كل شيء سببه فإذا أراد شيئاً أتبع سبباً يوصله إليه ويقربه منه قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو فاتبع بتشديد التاء، وكذلك ثم اتبع أي سلك وسار والباقون فأتبع بقطع الألف وسكون التاء مخففة.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٤٩٥
٤٩٧
اعلم أن المعنى أنه أراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً يوصله إليه حتى بلغه، أما قوله :﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ ففيه مباحث :


الصفحة التالية
Icon