المسألة الأولى : في لفظة ذكر أربع قراءات صيغة المصدر أو الماضي مخففة أو مشددة أو الأمر، أما صيغة المصدر فلا بد فيها من كسر رحمة ربك على الإضافة ثم فيها ثلاثة أوجه : أحدها : نصب الدال من عبده والهمزة من زكرياء وهو المشهور. وثانيها : برفعهما والمعنى وتلك الرحمة هي عبده زكرياء عن ابن عامر. وثالثها : بنصب الأول وبرفع الثاني والمعنى رحمة ربك عبده وهو زكرياء. وأما صيغة الماضي بالتشديد فلا بد فيها من نصب رحمة. وأما صيغة الماضي بالتخفيف ففيها وجهان. أحدهما : رفع الباء من ربك والمعنى ذكر ربك عبده زكرياء. وثانيها : نصب الباء من ربك والرفع في عبده زكرياء وذلك بتقديم المفعول على الفاعل وهاتان القراءتان للكلبي، وأما صيغة الأمر فلا بد من نصب رحمة وهي قراءة ابن عباس. واعلم أن على تقدير جعله صيغة المصدر والماضي يكون التقدير هذا المتلو من القرآن ذكر رحمة ربك.
المسألة الثانية : يحتمل أن يكون المراد من قوله رحمة ربك أعني عبده زكرياء ثم في كونه رحمة وجهان : أحدهما : أن يكون رحمة على أمته لأنه هداهم إلى الإيمان والطاعات. والآخر : أن / يكون رحمة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم وعلى أمة محمد لأن الله تعالى لما شرح لمحمد صلى الله عليه وسلّم طريقه في الإخلاص والإبتهال في جميع الأمور إلى الله تعالى صار ذلك لفظاً داعياً له ولأمته إلى تلك الطريقة فكان زكرياء رحمة، ويحتمل أن يكون المراد أن هذه السورة فيها ذكر الرحمة التي رحم بها عبدة زكرياء.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٠٧
٥٠٧
قوله تعالى :﴿إِذْ نَادَى رَبَّه نِدَآءً خَفِيًّا﴾ راعى سنة الله في إخفاء دعوته لأن الجهر والإخفاء عند الله سيان فكان الإخفاء أولى لأنه أبعد عن الرياء وأدخل في الإخلاص. وثانيها : أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في زمان الشيخوخة. وثالثها : أسره من مواليه الذين خافهم. ورابعها : خفي صوته لضعفه وهرمه كما جاء في صفة الشيخ صوته خفات وسمعه تارات، فإن قيل من شرط النداء الجهر فكيف الجمع بين كونه نداء وخفياً، والجواب من وجهين : الأول : أنه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصوت إلا أن الصوت كان ضعيفاً لنهاية الضعف بسبب الكبر فكان نداء نظراً إلى قصده وخفياً نظراً إلى الواقع. الثاني : أنه دعا في الصلاة لأن الله تعالى أجابه في الصلاة لقوله تعالى :﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَـا اـاِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى فِى الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾ (آل عمران : ٣٩) فكون الإجابة في الصلاة يدل على كون الدعاء في الصلاة فوجب أن يكون النداء فيها خفياً.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٠٧
٥١١
القراءة فيها مسائل :
المسألة الأولى : قرىء ﴿وَهَنَ﴾ بالحركات الثلاث.
المسألة الثانية : إدغام السين في الشين (من الرأس شيباً) عن أبي عمرو.
المسألة الثالثة :﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ﴾ بفتح الياء وعن الزهري بإسكان الياء من الموالي وقرأ عثمان وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وسعيد بن جبير وزيد بن ثابت وابن عباس خفت بفتح الخاء والفاء مشددة وكسر التاء وهذا يدل على معنيين : أحدهما : أن يكون ورائي بمعنى بعدي والمعنى / أنهم قلوا وعجزوا عن إقامة الدين بعده فسأل ربه تقويتهم بولي يرزقه. والثاني : أن يكون بمعنى قدامي والمعنى أنهم خفوا قدامه ودرجوا ولم يبق من به تقو واعتضاد.
المسألة الرابعة : القراءة المعروفة :﴿مِن وَرَآءِى﴾ بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة وعن حميد بن مقسم كذلك لكن بفتح الياء وقرأ ابن كثير كعصاي.
المسألة الخامسة : من يرثني ويرث وجوه : أحدها : القراءة المعروفة بالرفع فيهما صفة. وثانيها : وهي قراءة أبي عمرو والكسائي والزهري والأعمش وطلحة بالجزم فيهما جواباً للدعاء. وثالثها : عن علي ابن أبي طالب وابن عباس وجعفر بن محمد والحسن وقتادة :﴿وَلِيًّا * يَرِثُنِى﴾ جزم وارث بوزن فاعل. ورابعها : عن ابن عباس :﴿يَرِثُنِى﴾ وارث من آل يعقوب. وخامسها : عن الجحدري ﴿وَيَرِثُ﴾ تصغير وارث على وزن أفيعل (اللغة) الوهن ضعف القوة قال في "الكشاف" شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وأنارته وانتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه كل مأخذ كاشتعال النار ثم أخرجه مخرج الاستعارة ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس وأخرج الشيب مميزاً ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا فمن ثم فصحت هذه الجملة، وأما الدعاء فطلب الفعل ومقابله الإجابة كما أن مقابل الأمر الطاعة، وأما أصل التركيب في (ولي) فيدل على معنى القرب والدنو يقال وليته أليه ولياً أي دنوت وأوليته أدنيته منه وتباعد ما بعده وولي ومنه قول ساعدة (ابن جؤبة) :
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥١١
وعدت عواد دون وليك تشغب