المسألة الأولى : اختلفوا في من المنادي بقوله : يا زكريا، فالأكثرون على أنه هو الله تعالى وذلك لأن ما قبل هذه الآية يدل على أن زكريا عليه السلام إنما كان يخاطب الله تعالى ويسأله وهو قوله :﴿رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى﴾ (مريم : ٤) وقوله :﴿وَلَمْ أَكُنا بِدُعَآاـاِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ (مريم : ٤) وقوله :﴿فَهَبْ لِى﴾ (مريم : ٥) وما بعدها يدل على أنه كان يخاطب الله تعالى وهو يقول :﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَـامٌ﴾ إذا كان ما قبل هذه الآية وما بعدها خطاباً مع الله تعالى وجب أن يكون النداء من الله تعالى وإلا لفسد النظم، ومنهم من قال هذا نداء الملك واحتج عليه بوجهين. الأول : قوله تعالى في سورة آل عمران :﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَـا اـاِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى فِى الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾ (آل عمران : ٣٩). الثاني : أن زكريا / عليه السلام لما قال :﴿أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَـامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ﴾ (مريم : ٨، ٩) وهذا لا يجوز أن يكون كلام الله فوجب أن يكون كلام الملك. والجواب عن الأول : أنه يحتمل أن يقال حصل النداءان نداء الله ونداء الملائكة. وعن الثاني : أنا نبين إن شاء تعالى أن قوله :﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ﴾ يمكن أن يكون كلام الله.
المسألة الثانية ؛ فإن قيل إن كان الدعاء بإذن فما معنى البشارة، وإن كان بغير إذن فلماذا أقدم عليه ؟
والجواب هذا أمر يخصه فيجوز أن يسأل بغير إذن، ويحتمل أنه أذن له فيه ولم يعلم وقته فبشر به.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥١٣
المسألة الثالثة : اختلف المفسرون في قوله :﴿لَمْ نَجْعَل لَّه مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾ على وجهين : أحدهما : وهو قول ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة أنه لم يسم أحد قبله بهذا الاسم. الثاني : أن المراد بالسمي النظير كما في قوله :﴿هَلْ تَعْلَمُ لَه سَمِيًّا﴾ (مريم : ٦٥) واختلفوا في ذلك على وجوه. أحدها : أنه سيد وحصور لم يعص ولم يهم بمعصية كأنه جواب لقوله :﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ (مريم : ٦) فقيل له إنا نبشرك بغلام لم نجعل له من قبل شبيهاً في الدين، ومن كان هكذا فهو في غاية الرضا. وهذا الوجه ضعيف لأنه يقتضي تفضيله على الأنبياء الذين كانوا قبله كآدم ونوح وإبراهيم وموسى وذلك باطل بالإتفاق. وثانيها : أن كل الناس إنما يسميهم آباؤهم وأمهاتهم بعد دخولهم في الوجود، وأما يحيى عليه السلام فإن الله تعالى هو الذي سماه قبل دخوله في الوجود فكان ذلك من خواصه فلم يكن له مثل وشبيه في هذه الخاصية. وثالثها : أنه ولد بين شيخ فان وعجوز عاقر، واعلم أن الوجه الأول أولى وذلك لأن حمل السمي على النظير وإن كان يفيد المدح والتعظيم ولكنه عدول عن الحقيقة من غير ضرورة وإنه لا يجوز، وأما قول الله تعالى :﴿هَلْ تَعْلَمُ لَه سَمِيًّا﴾ فهناك إنما عدلنا عن الظاهر لأنه قال :﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَـادَتِه ا هَلْ تَعْلَمُ لَه سَمِيًّا﴾ (مريم : ٦٥) ومعلوم أن مجرد كونه تعالى مسمى بذلك الاسم لا يقتضي وجوب عبادته، فلهذه العلة عدلنا عن الظاهرة، أما ههنا لا ضرورة في العدول عن الظاهر فوجب اجراؤه عليه ولأن في تفرده بذلك الاسم ضرباً من التعظيم لأنا نشاهد أن الملك إذا كان له لقب مشهور فإن حاشيته لا يتلقبون به بل يتركونه تعظيماً له فكذلك ههنا.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥١٣


الصفحة التالية
Icon