﴿قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى ا أُمَّةٍ﴾ (الزخرف : ٢٢) و﴿قَالُوا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَـابِدِينَ﴾ (الأنبياء : ٥٣) فحكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام التمسك بطريقة الاستدلال تنبيهاً لهؤلاء على سقوط هذه الطريقة ثم قال تعالى في وصف إبراهيم عليه السلام :﴿إِنَّه كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾ وفي الصديق قولان : أحدهما : أنه مبالغة في كونه صادقاً وهو الذي يكون عادته الصدق لأن هذا البناء ينبىء عن ذلك يقال رجل خمير وسكير للمولع بهذه الأفعال. والثاني : أنه الذي يكون كثير التصديق بالحق حتى يصير مشهوراً به والأول أولى وذلك لأن المصدق بالشيء لا يوصف بكونه صديقاً إلا إذا كان صادقاً في ذلك التصديق فيعود الأمر إلى الأول فإن قيل أليس قد قال تعالى :﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِه أولئك هُمُ الصِّدِّيقُونَا وَالشُّهَدَآءُ﴾ (الحديد : ١٩) قلنا : المؤمنون بالله ورسله صادقون في ذلك التصديق واعلم أن النبي يجب أن يكون صادقاً في كل ما أخبر عنه لأن الله تعالى صدقه ومصدق الله صادق وإلا لزم الكذب في كلام الله تعالى فيلزم من هذا كون الرسول صادقاً في كل ما يقول، ولأن الرسل شهداء الله على الناس على ما قال الله تعالى :﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةا بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـا ؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ (النساء : ٤١) والشهيد إنما يقبل قوله : إذا لم يكن كاذباً. فإن قيل : فما قولكم في إبراهيم عليه السلام في قوله :﴿بَلْ فَعَلَه كَبِيرُهُمْ﴾ (الأنبياء : ٦٣) و﴿إِنِّى سَقِيمٌ﴾ قلنا قد شرحنا في تأويل هذه الآيات بالدلائل الظاهرة أن شيئاً من ذلك ليس بكذب فلما ثبت أن كل نبي يجب أن يكون صديقاً ولا يجب في كل صديق أن يكون نبياً ظهر بهذا قرب مرتبة الصديق من مرتبة النبي فلهذا انتقل من ذكر كونه صديقاً إلى ذكر كونه نبياً. وأما النبي فمعناه كونه رفيع القدر عند الله وعند الناس وأي رفعة أعلى من رفعة من جعله الله واسطة بينه وبين عباده. وقوله :﴿كَانَ صِدِّيقًا﴾ قيل : إنه صار وقيل إن معناه وجد صديقاً نبياً أي كان من أول وجوده إلى انتهائه موصوفاً بالصدق والصيانة. قال صاحب "الكشاف" : هذه الجملة وقعت اعتراضاً بين المبدل منه وبدله أعني إبراهيم وإذ قال ونظيره قولك رأيت زيداً ونعم الرجل أخاك ويجوز أن يتعلق إذ بكان أو بصديقاً نبياً أي كان جامعاً لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه بتلك المخاطبات / أما قوله : فالتاء عوض عن ياء الإضافة ولا يقال يا أبتي لئلا يجمع بين العوض والمعوض عنه وقد يقال : يا أبتا لكون الألف بدلاً من الياء واعلم أنه تعالى حكى أن إبراهيم عليه السلام تكلم مع أبيه بأربعة أنواع من الكلام. النوع الأول : قوله :
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٤٥