البحث السادس : في النكت (أولها) رأى بشر الحافي كاغداً مكتوباً فيه : بسم الله الرحمن الرحيم فرفعه وطيبه بالمسك وبلعه فرأى في النوم قائلاً يقول : يا بشر طيبت اسمنا فنحن نطيب اسمك في الدنيا والآخرة. وثانيها : قوله تعالى :﴿وَلِلَّهِ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى ﴾ (الأعراف : ١٨٠) وليس حسن الأسماء لذواتها لأنها ألفاظ وأصوات بل حسنها لحسن معانيها ثم ليس حسن أسماء الله حسناً يتعلق بالصورة والخلقة فإن ذلك محال على من ليس بجسم بل حسن يرجع إلى معنى الإحسان مثلاً اسم الستار والغفار والرحيم إنا كانت حسناء لأنها دالة على معنى الإحسان، وروى أن حكيماً ذهب إليه قبيح وحسن والتمسا الوصية فقال للحسن : أنت حسن والحسن لا يليق به الفعل القبيح، وقال للآخر أنت قبيح والقبيح إذا فعل الفعل القبيح عظم قبحه. فنقول : إلهنا أسماؤك حسنة وصفاتك حسنة فلا تظهر لنا من تلك الأسماء الحسنة والصفات الحسنة إلا الإحسان، إلهنا يكفينا قبح أفعالنا وسيرتنا فلا نضم إليه قبح العقاب ووحشة العذاب. وثالثها : قوله عليه السلام :"اطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه" إلهنا حسن الوجه عرضى أما حسن الصفات والأسماء فذاتي فلا تردنا عن إحسانك خائبين خاسرين. رابعها : ذكر أن صياداً كان يصيد السمك فصاد سمكة وكان له ابنة فأخذتها ابنته فطرحتها الماء وقالت : إنها ما وقعت في الشبكة إلا لغفلتها، إلهنا تلك الصبية رحمت غفلة هاتيك السمكة وكانت تلقيها مرة أخرى في البحر ونحن قد اصطادتنا وسوسة إبليس وأخرجتنا من بحر رحمتك فارحمنا بفضلك وخلصنا منها وألقنا في بحار رحمتك مرة أخرى. وخامسها : ذكرت من الأسماء خمسة في الفاتحة، وهي الله والرب والرحمن والرحيم والملك فذكرت الإلهية وهي إشارة إلى القهارية والعظمة فعلم أن الأرواح لا تطيق ذلك القهر والعلو فذكر بعده أربعة أسماء تدل على اللطف، الرب وهو يدل على التربية والمعتاد أن من ربى أحداً فإنه لا يهمل أمره ثم ذكر الرحمن الرحيم وذلك هو النهاية في اللطف والرأفة ثم ختم الأمر بالملك والملك العظيم لا ينتقم من الضعيف العاجز ولأن عائشة قالت لعلي عليه السلام :"ملكت فأشجع فأنت أولى بأن تعفو عن هؤلاء الضعفاء". وسادسها : عن محمد بن كعب القرظي قال موسى عليه السلام :"إلهي أي خلقك أكرم عليك ؟
قال / الذي لا يزال لسانه رطباً من ذكري، قال : فأي خلقك أعلم ؟
قال : الذي يلتمس إلى علمه علم غيره، قال : فأي خلقك أعدل ؟
قال : الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس، قال : فأي خلقك أعظم جرماً ؟
قال : الذي يتهمني وهو الذي يسألني ثم لا يرضى بما قضيته له". إلهنا إنا لا نتهمك فإنا نعلم أن كل ما أحسنت به فهو فضل وكل ما تفعله فهو عدل فلا تؤاخذنا بسوء أعمالنا. وسابعها : قال الحسن إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ سيعلم الجمع من أولى بالكرم، أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع ؟
فيقومون فيتخطون رقاب الناس، ثم يقال : أين الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ؟
ثم ينادي منادٍ أين الحامدون لله على كل حال ؟
ثم تكون التبعة والحساب على من بقي إلهنا فنحن حمدناك وأثنينا عليك بمقدار قدرتنا ومنتهى طاقتنا فاعف عنا بفضلك ورحمتك. ومن أراد الاستقصاء في الأسماء والصفات فعليه بكتاب لوامع البينات في الأسماء والصفات وبالله التوفيق.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٥
١٩
اعلم أنه تعالى لما عظم حال القرآن وحال الرسول فيما كلفه اتبع ذلك بما يقوي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلّم من ذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام تقوية لقلبه في الإبلاغ كقوله :﴿وَكُلا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنابَآءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِه فُؤَادَكَ ﴾ (هود : ١٢٠) وبدأ بموسى عليه السلام لأن المحنة والفتنة الحاصلة له كانت أعظم ليسلي قلب الرسول صلى الله عليه وسلّم بذلك ويصبره على تحمل المكاره فقال :﴿وَهَلْ أَتَـاـاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ وههنا مسائل :
المسألة الأولى : قوله :﴿وَهَلْ أَتَـاـاكَ﴾ يحتمل أن يكون هذا أول ما أخبر به من أمر موسى عليه السلام فقال :﴿وَهَلْ أَتَـاـاكَ﴾ أي لم يأتك إلى الآن وقد أتاك الآن فتنبه له، وهذا قول الكلبي. ويحتمل أن يكون قد أتاه ذلك في الزمان المتقدم فكأنه قال : أليس قد أتاك، وهذا قول مقاتل والضحاك عن ابن عباس.
المسألة الثانية : قوله :﴿وَهَلْ أَتَـاـاكَ﴾ وإن كان على لفظ الاستفهام الذي لا يجوز على الله / تعالى لكن المقصود منه تقرير الجواب في قلبه، وهذه الصيغة أبلغ في ذلك كما يقول المرء لصاحبه هل بلغك خبر كذا ؟
فيتطلع السامع إلى معرفة ما يرمى إليه، ولو كان المقصود هو الاستفهام لكان الجواب يصدر من قبل النبي عليه السلام لا من قبل الله تعالى.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٩


الصفحة التالية
Icon