السؤال الأول : هو أن كاد نفيه إثبات وإثباته نفي بدليل قوله :﴿وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ (البقرة : ٧١) أي وفعلوا ذلك فقوله :﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ يقتضي أنه ما أخفاها وذلك باطل لوجهين، أحدهما : قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَه عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ (لقمان : ٣٤). والثاني : أن قوله :﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا تَسْعَى ﴾ إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار. والجواب : من وجوه، أحدها : أن كاد موضوع للمقاربة فقط من غير بيان النفي والإثبات فقوله :﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ معناه قرب الأمر فيه من الإخفاء وأما أنه هل حصل ذلك الإخفاء أو ما حصل فذلك غير مستفاد من اللفظ بل من قرينة قوله :﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا تَسْعَى ﴾ فإن ذلك إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار. وثانيها : أن كاد من الله واجب فمعنى قوله :﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ أي أنا أخفيها / عن الخلق كقوله :﴿عَسَى ا أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء : ٥١) أي هو قريب قاله الحسن. وثالثها : قال أبو مسلم :﴿أَكَادُ﴾ بمعنى أريد وهو كقوله :﴿كَذَالِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ (يوسف : ٧٦) ومن أمثالهم المتداولة لا أفعل ذلك ولا أكاد أي ولا أريد أن أفعله. ورابعها : معناه :﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ من نفسي وقيل إنها كذلك في مصحف أبي وفي حرف ابن مسعود :﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ من نفسي فكيف أعلنها لكم قال القاضي هذا بعيد لأن الإخفاء إنما يصح فيمن يصلح له الإظهار وذلك مستحيل على الله تعالى لأن كل معلوم معلوم له فالإظهار والإسرار منه مستحيل، ويمكن أن يجاب عنه بأن ذلك واقع على التقدير يعني لو صح مني إخفاؤه على نفسي لأخفيته عني والإخفاء وإن كان محالاً في نفسه إلا أنه لا يمتنع أن يذكر ذلك على هذا التقدير مبالغة في عدم إطلاع الغير عليه، قال قطرب : هذا على عادة العرب في مخاطبة بعضهم بعضاً يقولون : إذا بالغوا في كتمان الشيء كتمته حتى من نفسي فالله تعالى بالغ في إخفاء الساعة فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب في مثله. وخامسها :﴿أَكَادُ﴾ صلة في الكلام والمعنى : إن الساعة آتية أخفيها، قال زيد الخيل :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٢٤
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه
فما إن يكاد قرنه يتنفس
والمعنى فما يتنفس قرنه. وسادسها : قال أبو الفتح الموصلي ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ تأويله أكاد أظهرها وتلخيص هذا اللفظ أكاد أزيل عنها إخفاءها لأن أفعل قد يأتي بمعنى السلب والنفي كقولك أعجمت الكتاب وأشكلته أي أزلت عجمته وإشكاله وأشكيته أي أزلت شكواه. وسابعها : قرىء أخفيها بفتح الألف أي أكاد أظهرها من خفاه إذا أظهره أي قرب إظهاره كقوله) ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ (القمر : ١) قال امرؤ القيس :
فإن تدفنوا الداء لا نخفه
وإن تمنعوا الحرب لا نقعد
معنى هذاأي لا نظهره قال الزجاج وهذه القراءة أبين لأن معنى أكاد أظهرها يفيد أنه قد أخفاها. وثامنها : أراد أن الساعة آتية أكاد وانقطع الكلام ثم قال أخفيها ثم رجع الكلام الأول إلى أن الأولى الإخفاء :﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا تَسْعَى ﴾ وهذا الوجه بعيد والله أعلم. السؤال الثاني : ما الحكمة في إخفاء الساعة وإخفاء وقت الموت ؟
الجواب : لأن الله تعالى وعد قبول التوبة فلو عرف وقت الموت لاشتغل بالمعصية إلى قريب من ذلك الوقت ثم يتوب فيتخلص من عقاب المعصية فتعريف وقت الموت كالإغراء بفعل المعصية، وإنه لا يجوز. أما قوله :﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا تَسْعَى ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى لما حكم بمجيء يوم القيامة ذكر الدليل عليه وهو أنه لولا القيامة لما تميز المطيع عن العاصي والمحسن عن المسيء وذلك غير جائز وهو الذي عناه الله تعالى بقوله :﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الارْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ (ص : ٢٨).
المسألة الثانية : احتجت المعتزلة بهذه الآية على أن الثواب مستحق على العمل لأن الباء للالصاق فقوله :﴿بِمَا تَسْعَى ﴾ يدل على أن المؤثر في ذلك الجزاء هو ذلك السعي.
المسألة الثالثة : احتجوا بها على أن فعل العبد غير مخلوق لله تعالى وذلك لأن الآية صريحة في إثبات سعي العبد ولو كان الكل مخلوقاً لله تعالى لم يكن للعبد سعي ألبتة أما قوله :﴿فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لا يُؤْمِنُ بِهَا﴾ فالصد المنع وههنا مسائل :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٢٤


الصفحة التالية
Icon