الفصل السابع : في بقية الأبحاث إنما قال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ ولم يقل رب اشرح صدري ليظهر أن منفعة ذلك الشرح عائدة إلى موسى عليه السلام لا إلى الله، وأما كيفية شرح صدر رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمفاضلة بينه وبين شرح صدر موسى عليه السلام فنذكره إن شاء الله في تفسير قوله :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ (الشرح : ١) والله أعلم بالصواب.
المطلوب الثاني : قوله :﴿وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى﴾ والمراد منه عند أهل السنة خلقها وعند المعتزلة تحريك الدواعي والبواعث بفعل الألطاف المسهلة، فإن قيل : كل ما أمكن من اللطف فقد فعله الله تعالى فأي فائدة في هذا السؤال، قلنا يحتمل أن يكون هناك من الألطاف ما لا يحسن فعلها إلا بعد هذا السؤال ففائدة السؤال حسن فعل تلك الألطاف.
المطلوب الثالث : قوله :﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن النطق فضيلة عظيمة ويدل عليه وجوه. أحدها : قوله تعالى :﴿خَلَقَ الانسَـانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ (الرحمن : ٣، ٤) ولم يقل وعلمه البيان لأنه لو عطفه عليه لكان مغايراً له، أما إذا ترك الحرف العاطف صار قوله :﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ كالتفسير لقوله :﴿خَلَقَ الانسَـانَ﴾ كأنه إنما يكون خالقاً للإنسان إذا علمه البيان، وذلك يرجع إلى الكلام المشهور من أن ماهية الإنسان هي الحيوان الناطق. وثانيها : اتفاق العقلاء على تعظيم أمر اللسان، قال زهير :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٤٦
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم


الصفحة التالية
Icon