جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٩٠
﴿فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِى﴾ فهذا يدل على موعد كان منه عليه السلام مع القوم وفيه وجهان : أحدهما : أن المراد ما وعدوه من اللحاق به والمجيء على أثره. والثاني : ما وعدوه من الإقامة على دينه إلى أن يرجع إليهم من الطور، فعند هذا قالوا :﴿مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ وفي أن قائل هذا الجواب من هو وجهان : الأول : أنهم الذين لم يعبدوا العجل فكأنهم قالوا : إنا ما أخلفنا موعدك بملكنا أي بأمر كنا نملكه وقد يضيف الرجل فعل قريبه إلى نفسه كقوله تعالى :﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ (البقرة : ٥٠)، ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ (البقرة : ٧٢) وإن كان الفاعل لذلك آباءهم لا هم فكأنهم قالوا : الشبهة قويت على عبدة العجل فلم نقدر على منعهم عنه ولم نقدر أيضاً على مفارقتهم لأنا خفنا / أن يصير ذلك سبباً لوقوع التفرقة وزيادة الفتنة. الوجه الثاني : أن هذا قول عبدة العجل والمراد أن غيرنا أوقع الشبهة في قلوبنا وفاعل السبب فاعل المسبب ومخلف الوعد هو الذي أوقع الشبهة فإنه كان كالمالك لنا. فإن قيل : كيف يعقل رجوع قريب من ستمائة ألف إنسان من العقلاء المكلفين عن الدين الحق دفعة واحدة إلى عبادة العجل الذي يعرف فسادها بالضرورة، ثم إن مثل هذا الجمع لما فارقوا الدين وأظهروا الكفر فكيف يعقل رجوعهم دفعة واحدة عن ذلك الدين بسبب رجوع موسى عليه السلام وحده إليهم، قلنا : هذا غير ممتنع في حق البله من الناس، واعلم أن في بملكنا ثلاث قراءات، قرأ حمزة والكسائي بضم الميم ونافع وعاصم بفتح الميم وأبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالكسر، أما الكسر والفتح فهما واحد وهما لغتان مثل رطل ورطل. وأما الضم فهو السلطان، ثم إن القوم فسروا ذلك العذر المجمل فقالوا :﴿وَلَـاكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر حملنا مخففة من الحمل وقرأ ابن كثير ونافع وحفص وابن عامر : حملنا مشددة، فمن قرأ بالتخفيف فمعناه حملنا مع أنفسنا ما كنا استعرناه من القوم ومن قرأ بالتشديد ففيه وجوه : أحدها : أن موسى عليه السلام حملهم على ذلك أي أمرهم باستعارة الحلي والخروج بها فكأنه ألزمهم ذلك. وثانيها : جعلنا كالضامن لها إلى أن نؤديها إلى حيث يأمرنا الله. وثالثها : أن الله تعالى حملهم ذلك على معنى أنه ألزمهم فيه حكم المغنم، أما الأوزار فهي الأثقال ومن ذلك سمي الذنب وزراً لأنه ثقل ثم فيه احتمالات. أحدها : أنه لكثرتها كانت أثقالاً. وثانيها : أن المغانم كانت محرمة عليهم فكان يجب عليهم حفظها من غير فائدة فكانت أثقالاً. وثالثها : المراد بالأوزار الآثام والمعنى حملنا آثاماً، روي في الخبر أن هرون عليه السلام قال : إنها نجسة فتطهروا منها، وقال السامري : إن موسى عليه السلام إنما احتبس عقوبة بالحلي فيجوز أن يكونوا أرادوا هذا القول. وقد يقول الإنسان للشيء الذي يلزمه رده هذا كله إثم وذنب. ورابعها : أن ذلك الحلي كان القبط يتزينون به في مجامع لهم يجري فيها الكفر لا جرم أنها وصفت بكونها أوزاراً كما يقال مثله في آلات المعاصي. أما قوله :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٩٠


الصفحة التالية
Icon