﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى﴾ ومعناه ظاهر / وهذا يدل على أن تارك المأمور به عاص والعاصي مستحق للعقاب لقوله :﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَه فَإِنَّ لَه نَارَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ (الجن : ٢٣) ولقوله :﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَه وَيَتَعَدَّ حُدُودَه يُدْخِلْهُ نَارًا خَـالِدًا فِيهَا﴾ (النساء : ١٤) فمجموع الآيتين يدل على أن الأمر للوجوب، فأجاب هرون عليه السلام وقال :﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ﴾ قيل : إنما خاطبه بذلك ليدفعه عنه فيتركه، وقيل : كان أخاه لأمه :﴿لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلا بِرَأْسِى ﴾ واعلم أنه ليس في القرآن دلالة على أنه فعل ذلك، فإن النهي عن الشيء لا يدل على كون المنهي فاعلاً للمنهى عنه كقوله :﴿وَلا تُطِعِ الْكَـافِرِينَ وَالْمُنَـافِقِينَ ﴾ (الأحزاب : ٤٨) وقوله :﴿ لئن أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ (الزمر : ٦٥) والذي فيه أنه أخذ برأس أخيه يجره إليه وهذا القدر لا يدل على الاستخفاف به بل قد يفعل ذلك لسائر الأغراض على ما بيناه، ومن الناس من يقول إنه أخذ ذؤابتيه بيمينه ولحيته بيساره ثم قال :﴿إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إسرائيل وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى﴾ ولقائل أن يقول : إن قول موسى عليه السلام :(ما منعك أن لا تتبعن أفعصيت أمري) يدل على أنه أمره بشيء فكيف يحسن في جوابه أن يقال : إنما لم أمتثل قولك خوفاً من أن تقول :﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى﴾ فهل يجوز مثل هذا الكلام على العاقل. والجواب : لعل موسى عليه السلام إنما أمره بالذهاب إليه بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى فساد في القوم فلما قال موسى :(ما منعك أن لا تتبعن) قال لأنك إنما أمرتني باتباعك إذا لم يحصل الفساد فلو جئتك مع حصول الفساد ما كنت مراقباً لقولك. قال الإمام أبو القاسم الأنصاري : الهداية أنفع من الدلالة فإن السحرة كانوا أجانب عن الإيمان وما رأوا إلا آية واحدة فآمنوا وتحملوا العذاب الشديد في الدنيا ولم يرجعوا عن الإيمان، وأما قومه فإنهم رأوا انقلاب العصا ثعباناً والتقم كل ما جمعه السحرة ثم عاد عصا ورأوا اعتراف السحرة بأن ذلك ليس بسحر وأنه أمر إلهي ورأوا الآيات التسع مدة مديدة ثم رأوا انفراق البحر إثني عشر طريقاً وأن الله تعالى أنجاهم من الغرق وأهلك أعداءهم مع كثرة عددهم، ثم إن هؤلاء مع ما شاهدوا من هذه الآيات لما خرجوا من البحر ورأوا قوماً يعبدون البقر قالوا : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، ولما سمعوا صوتاً من عجل عكفوا على عبادته، وذلك يدل على أنه لا يحصل الغرض بالدلائل بل بالهداية، قرأ حمزة والكسائي :(يا ابن أم) بكسر الميم والإضافة ودلت كسرة الميم على الياء والباقون بالفتح وتقديره يا ابن أماه والله أعلم.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٩٤
٩٧
اعلم أن موسى عليه السلام لما فرغ من مخاطبة هرون عليه السلام وعرف العذر له في التأخير أقبل على السامري ويجوز أن يكون قد كان حاضراً مع هرون عليه السلام فلما قطع موسى الكلام مع هرون أخذ في التكلم مع السامري، ويجوز أن يكون بعيداً ثم حضر السامري من بعد أو ذهب إليه موسى ليخاطبه، فقال موسى عليه السلام :﴿مَا خَطْبُكُمَا ﴾ والخطب مصدر خطب الأمر إذا طلبه، فإذا قيل لمن يفعل شيئاً ما خطبك ؟
معناه ما طلبك له والغرض منه الإنكار عليه وتعظيم صنعه ثم ذكر السامري عذره في ذلك فقال :﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِه ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرىء ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِه ﴾ بالكسر وقرأ حمزة والكسائي بما لم تبصروا بالتاء المعجمة من فوق والباقون بالياء أي بما لم يبصر به بنو إسرائيل.
المسألة الثانية : في الإبصار قولان : قال أبو عبيدة : علمت بما لم يعلموا به ومنه قولهم : رجل بصير أي عالم وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وقال الزجاج في تقريره : أبصرته بمعنى رأيته وبصرت به بمعنى صرت به بصيراً عالماً. وقال آخرون : رأيت ما لم يروه فقوله بصرت به بمعنى أبصرته وأراد أنه رأى دابة جبريل عليه السلام فأخذ من موضع حافر دابته قبضة من تراب ثم قال :﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ الحسن قبضة بضم القاف وهي اسم للمقبوض كالغرفة والضفة وأما القبضة فالمرة من القبض وإطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر كضرب الأمير وقرىء أيضاً فقبصت قبصة بالضاد والصاد فالضاد بجميع الكف والصاد بأطراف الأصابع ونظيرهما الخضم والقضم الخاء بجميع الفم والقاف بمقدمه. قرأ ابن مسعود من أثر فرس الرسول.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٩٧


الصفحة التالية
Icon