المسألة السابعة عشر : أن سيبويه يسميها بالمجاري، ويقول : هي ثمانية وفيه سؤالان : الأول : لم سمى الحركات بالمجاري فإن الحركة نفسها الجري، والمجرى موضع الجري، فالحركة لا تكون مجرى ؟
وجوابه أنا بينا أن الذي يسمى ههنا بالحركة فهو في نفسه ليس بحركة إنما هو صوت يتلفظ به بعد التلفظ بالحرف الأول/ فالمتكلم لما انتقل من الحرف الصامت إلى هذا الحرف فهذا الحرف المصوت إنما حدث لجريان نفسه وامتداده، فلهذا السبب صحت تسميته بالمجرى. السؤال الثاني : قال المازني : غلط سيبويه في تسميته الحركات البنائية بالمجاري لأن الجري إنما يكون لما يوجد تارة ويعدم تارة. والمبني لا يزول عن حاله، فلم يجز تسميته بالمجاري، بل كان الواجب أن يقال : المجاري أربعة وهي الأحوال الإعرابية. والجواب أن المبنيات قد تحرك عند الدرج، ولا تحرك عند الوقف، فلم تكن تلك الأحوال لازمة لها مطلقاً.
المسألة الثامنة عشرة : الإعراب اختلاف آخر الكلمة باختلاف العوامل : بحركة أو حرف تحقيقاً أو تقديراً، أما الاختلاف فهو عبارة عن موصوفية آخر تلك الكلمة بحركة أو سكون بعد أن كان موصوفاً بغيرها، ولا شك أن تلك الموصوفية حالة معقولة لا محسوسة فلهذا المعنى قال عبد القاهر النحوي : الإعراب حالة معقولة لا محسوسة، وأما قوله :"باختلاف العوامل" فاعلم أن اللفظ الذي تلزمه حالة واحدة أبداً هو المبني، وأما الذي يختلف آخره فقسمان : أحدهما : أن لا يكون معناه قابلاً للأحوال المختلفة كقولك :"أخذت المال من زيد" فتكون "من" ساكنة، ثم تقول :"أخذت المال من الرجل" فتفتح النون، ثم تقول "أخذت المال من ابنك" فتكون مكسورة فههنا اختلف آخر هذه الكلمة إلا أنه ليس بإعراب، لأن المفهوم من كلمة "من" لا يقبل الأحوال المختلفة في المعنى، وأما القسم الثاني : وهو الذي يختلف آخر الكلمة عند اختلاف أحوال معناهاـ فذلك هو الإعراب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
المسألة التاسعة عشرة : أقسام الإعراب ثلاثة : الأول : الإعراب بالحركة، وهي في أمور ثلاثة : أحدها : الاسم الذي لا يكون آخره حرفاً من حروف العلة، سواء كان أوله أو وسطه معتلاً أو لم يكن، نحو رجل، ووعد، وثوب، وثانيها : أن يكون آخر الكلمة واواً أو ياءً ويكون ما قبله ساكناً، فهذا كالصحيح في تعاقب الحركات عليه، تقول : هذا ظبي وغزو ومن هذا الباب المدغم فيهما كقولك : كرسي وعدو لأن المدغم يكون ساكناً فسكون الياء من كرسي والواو من عدو كسكون الباء من ظبي والزاي من غزو، وثالثها : أن تكون الحركة / المتقدمة على الحرف الأخير من الكلمة كسرة وحينئذٍ يكون الحرف الأخير ياء، وإذا كان آخر الكلمة ياء قبلها كسرة كان في الرفع والجر على صورة واحدة وهي السكون، وأما في النصب فإن الياء تحرك بالفتحة قال الله تعالى :﴿أَجِيبُوا دَاعِىَ اللَّهِ﴾ (الأحقاف : ٣١) القسم الثاني من الإعراب : ما يكون بالحرف، وهو في أمور ثلاثة : أحدها : في الأسماء الستة مضافة، وذلك جاءني أبوه وأخوه وحموه وهنوه وفوه وذو مال، ورأيت أباه ومررت بأبيه، وكذا في البواقي، وثانيها :"كلا" مضافاً إلى مضمر، تقول : جاءني كلاهما ومررت بكليهما ورأيت كليهما، وثالثها : التثنية والجمع، تقول : جاءني مسلمان ومسلمون ورأيت مسلمين ومسلمين ومررت بمسلمين ومسلمين. والقسم الثالث : الإعراب التقديري، وهو في الكلمة التي يكون آخرها ألفاً وتكون الحركة التي قبلها فتحة، فإعراب هذه الكلمة في الأحوال الثلاثة على صورة واحدة تقول : هذه رحا ورأيت رحا ومررت برحا.
أصول الإعراب :
المسألة العشرون : أصلا الإعراب أن يكون بالحركة، لأنا ذكرنا أن الأصل في الإعراب أن يجعل الأحوال العارضة للفظ دلائل على الأحوال العارضة للمعنى، والعارض للحرف هو الحركة لا الحرف الثاني، وأما الصور التي جاء إعرابها بالحروف فذلك للتنبيه على أن هذه الحروف من جنس تلك الحركات.
أنواع الاسم المعرب :
المسألة الحادية والعشرون : الاسم المعرب، ويقال له المتمكن نوعان : أحدهما : ما يستوفي حركات الإعراب والتنوين، وهو المنصرف والأمكن، والثاني : ما لا يكون كذلك بل يحذف عنه الجر والتنوين ويحرك بالفتح في موضع الجر إلا إذا أضيف أو دخله لام التعريف/ ويسمى غير المنصرف، والأسباب المانعة من الصرف تسعة فمتى حصل في الاسم اثنان منها أو تكرر سبب واحد فيه امتنع من الصرف، وهي : العلمية، والتأنيث اللازم لفظاً ومعنى، ووزن الفعل الخاص به أو الغالب عليه، والوصفية، والعدل، والجمع الذي ليس على زنة واحدة، والتركيب، والعجمة في الأعلام خاصة، والألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
سبب منع الصرف :


الصفحة التالية
Icon