المسألة الأولى : أن حتى متعلقة بحرام فأما على تأويل أبي مسلم فالمعنى أن رجوعهم إلى الآخرة واجب حتى أن وجوبه يبلغ إلى حيث أنه إذا فتحت يأجوج ومأجوج، واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفورا، والمعنى أنهم يكونون أول الناس حضوراً في محفل القيامة، فحتى متعلقة بحرام وهي غاية له ولكنه غاية من جنس الشيء كقولك دخل الحاج حتى المشاة. وحتى ههنا هي التي يحكى بعدها الكلام. والكلام المحكى هو هذه الجملة من الشرط والجزاء أعني قوله :﴿حَتَّى ا إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ فهناك يتحقق شخوص أبصار الذين كفروا، وذلك غير جائز لأن الشرط إنما يحصل في آخر أيام الدنيا والجزاء إنما يحصل في يوم القيامة، والشرط والجزاء لا بد وأن يكونا متقاربين، قلنا التفاوت القليل يجري مجرى المعدوم، وأما على التأويلات الباقية فالمعنى أن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم الساعة.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٨٩
المسألة الثانية : قوله :﴿حَتَّى ا إِذَا فُتِحَتْ﴾ المعنى فتح سد يأجوج ومأجوج فحذف المضاف وأدخلت علامة التأنيث في فتحت لما حذف المضاف لأن يأجوج ومأجوج مؤنثان بمنزلة القبيلتين، وقيل حتى إذا فتحت جهة يأجوج.
المسألة الثالثة : هما قبيلتان من جنس الإنس، يقال : الناس عشرة أجزاء تسعة منها يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد.
المسألة الرابعة : قيل : السد يفتحه الله تعالى ابتداء، وقيل : بل إذا جعل الله تعالى الأرض دكاً زالت الصلابة عن أجزاء الأرض فحينئذ ينفتح السد.
أما قوله تعالى :﴿وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾ فحشو في أثناء الكلام، والمعنى إذا فتحت يأجوج واقترب الوعد الحق شخصت أبصار الذين كفروا، والحدب النشز من الأرض، ومنه حدبة الأرض، ومنه حدبة الظهر، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما ﴿مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾، اعتباراً بقوله :﴿فَإِذَا هُم مِّنَ الاجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾ (يس : ٥١) وقرىء بضم السين ونسل وعسل أسرع ثم فيه قولان، قال أكثر المفسرين إنه كناية عن يأجوج ومأجوج، وقال مجاهد : هو كناية عن جميع المكلفين أي يخرجون من قبورهم من كل موضع فيحشرون إلى موقف الحساب، والأول هو الأوجه وإلا لتفكك النظم، وأن يأجوج ومأجوج إذا كثروا على ما روى في "الخبر"، فلا بد من أن ينشروا فيظهر إقبالهم على الناس من كل موضع مرتفع.
أما قوله تعالى :﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ فلا شبهة أن الوعد المذكور هو يوم القيامة.
أما قوله :﴿فَإِذَا هِىَ﴾ فاعلم أن إذا ههنا للمفاجأة فسمى الموعد وعداً تجوزاً، وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله :﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ (الروم : ٣٦) فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ولو قيل :﴿فَإِذَا هِىَ شَـاخِصَةٌ﴾ أو فهي شاخصة كان سديداً، أما لفظة ﴿هِىَ﴾ فقد ذكر النحويون فيها ثلاثة أوجه. أحدها : أن تكون كناية عن الأبصار، والمعنى فإذا أبصار الذين كفروا شاخصة أبصارهم كني عن الإبصار ثم أظهر. والثاني : أن تكون عماداً ويصلح في موضعها هو فيكون كقوله :﴿إِنَّه ا أَنَا اللَّهُ﴾ ومثله :﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الابْصَـارُ﴾ وجاز التأنيث لأن الأبصار مؤنثة وجاز التذكير للعماد وهو قول الفراء، وقال سيبويه الضمير للقصة بمعنى فإذا القصة شاخصة، يعني أن القصة أن أبصار الذين كفروا تشخص عند ذلك، ومعنى الكلام أن القيامة إذا قامت شخصت أبصار هؤلاء من شدة الأهوال، فلا تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم، ومن توقع ما يخافونه، ويقولون :﴿كَفَرُوا يَـاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَـاذَا﴾ يعني في الدنيا حيث كذبناه وقلنا : إنه غير كائن بل كنا ظالمين أنفسنا بتلك الغفلة وبتكذيب محمد صلى الله عليه وسلّم وعبادة الأوثان، واعلم أنه لا بد قبل قوله يا ويلنا من حذف والتقدير يقولون يا ويلنا.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٨٩
١٩٠
اعلم أن قوله :﴿إِنَّكُمْ﴾ خطاب لمشركي مكة وعبدة الأوثان.