أما قوله تعالى :﴿وَنُقِرُّ فِى الارْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى ا أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ فالمراد منه من يبلغه الله تعالى حد الولادة، والأجل المسمى هو الوقت المضروب للولادة وهو آخر ستة أشهر، أو تسعة، أو أربع سنين أو كما شاء وقدر الله تعالى فإن كتب ذلك صار أجلاً مسمى المرتبة الخامسة : قوله :﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا﴾ وإنما وحد الطفل لأن الغرض الدلالة على الجنس ويحتمل أن يخرج كل واحد منكم طفلاً كقوله :﴿وَالْمَلَـا اـاِكَةُ بَعْدَ ذَالِكَ ظَهِيرٌ﴾ (التحريم : ٤) المرتبة السادسة : قوله :﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾ والأشد كمال القوة والعقل والتمييز وهو من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل لها واحد وكأنها شدة في غير شيء واحد فبنيت لذلك على لفظ الجمع، والمراد والله أعلم ثم سهل في تربيتكم وأغذيتكم أموراً لتبلغوا أشدكم فنبه بذلك على الأحوال التي بين خروج الطفل من بطن أمه وبين بلوغ الأشد ويكون بين الحالتين وسائط، وذكر بعضهم أنه ليس بين حال الطفولية وبين ابتداء حال بلوغ الأشد واسطة حتى جوز أن يبلغ في السن ويكون طفلاً كما يكون غلاماً ثم يدخل في الأشد المرتبة السابعة : قوله :
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٠٧
﴿وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى ا أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنا بَعْدِ عِلْمٍ شَيْـاًا ﴾ والمعنى أن منكم من يتوفى على قوته وكماله، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر وهو الهرم والخرف، فيصير كما كان في أول طفوليته ضعيف البنية، سخيف العقل، قليل الفهم. فإن قيل كيف قال :﴿لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنا بَعْدِ عِلْمٍ شَيْـاًا ﴾ مع أنه يعلم بعض الأشياء كالطفل ؟
قلنا المراد أنه يزول عقله فيصير كأنه لا يعلم شيئاً لأن مثل ذلك قد يذكر في النفي لأجل المبالغة، ومن الناس من قال هذه الحالة لا تحصل للمؤمنين لقوله تعالى :﴿ثُمَّ رَدَدْنَـاهُ أَسْفَلَ سَـافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ وهو ضعيف. لأن معنى قوله :﴿ثُمَّ رَدَدْنَـاهُ أَسْفَلَ سَـافِلِينَ﴾ (التين : ٥) هو دلالة على الذم فالمراد به ما يجري مجرى العقوبة ولذلك قال :﴿إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون ﴾ (التين : ٦) فهذا تمام الاستدلال بحال خلقة الحيوان على صحة البعث الوجه الثاني : الاستدلال بحال خلقة النبات على ذلك وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿وَتَرَى الارْضَ هَامِدَةً﴾ وهمودها يبسها وخلوها عن النبات والخضرة ﴿فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ والاهتزاز الحركة على سرور فلا يكاد يقال اهتز فلان لكيت وكيت إلا إذا كان الأمر من المحاسن والمنافع فقوله :﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ﴾ أي تحركت بالنبات وانتفخت.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٠٧


الصفحة التالية
Icon