أما قوله :﴿وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يُرِيدُ﴾ فقد احتج أصحابنا به فقالوا : المراد من الهداية، إما وضع الأدلة أو خلق المعرفة والأول غير جائز لأنه تعالى فعل ذلك في حق كل المكلفين ولأن قوله :﴿يَهْدِى مَن يُرِيدُ﴾ دليل على أن الهداية غير واجبة عليه بل هي معلقة بمشيئته سبحانه ووضع الأدلة عند الخصم واجب فبقي أن المراد منه خلق المعرفة قال القاضي عبد الجبار في الاعتذار هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : يكلف من يريد لأن من كلف أحداً شيئاً فقد وصفه له وبينه له. وثانيها : أن يكون المراد يهدي إلى الجنة والإثابة من يريد ممن آمن وعمل صالحاً. وثالثها : أن يكون المراد أن الله تعالى يلطف بمن يريد ممن علم أنه إذا زاده هدى ثبت على إيمانه كقوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ وهذا الوجه هو الذي أشار الحسن إليه بقوله : إن الله يهدي من قبل لا من لم يقبل، والوجهان الأولان ذكرهما أبو علي والجواب : عن الأول أن الله تعالى ذكر ذلك بعد بيان الأدلة والجواب عن الشبهات فلا يجوز حمله على محض التكليف/ وأما الوجهان الأخيران فمدفوعان لأنهما عندك واجبان على الله تعالى وقوله :﴿يَهْدِى مَن يُرِيدُ﴾ يقتضي عدم الوجوب.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢١٤
٢١٦
القراءة : قرى ﴿حَقٍّ﴾ بالضم وقرىء حقاً أي حق عليه العذاب حقاً وقرىء ﴿مُّكْرِمٍ ﴾ بفتح الراء بمعنى الإكرام، واعلم أنه تعالى لما قال :﴿وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يُرِيدُ﴾ أتبعه في هذه الآية ببيان من يهديه ومن لا يهديه، واعلم أن المسلم لا يخالفه في المسائل الأصولية إلا طبقات ثلاثة : أحدها : الطبقة المشاركة له في نبوة نبيه كالخلاف بين الجبرية والقدرية في خلق الأفعال البشرية والخلاف بين مثبتي الصفات والرؤية ونفاتها. وثانيها : الذين يخالفونه في النبوة ولكن يشاركونه في الاعتراف بالفاعل المختار كالخلاف بين المسلمين واليهود والنصارى في نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم وعيسى وموسى عليهما السلام. وثالثها : الذين يخالفونه في الإله وهؤلاء هم السوفسطائية المتوقفون في الحقائق، والدهرية الذين لا يعترفون بوجود مؤثر في العالم، والفلاسفة الذين يثبتون مؤثراً موجباً لا مختاراً. فإذا كانت الاختلافات الواقعة في أصول الأديان محصورة في هذه الأقسام الثلاثة، ثم لا يشك أن أعظم جهات الخلاف هو من جهة القسم الأخير منها. وهذا القسم الأخير بأقسامه الثلاثة لا يوجدون في العام المتظاهرين بعقائدهم ومذاهبهم بكل يكونون مستترين، أما القسم الثاني وهو الاختلاف الحاصل بسبب الأنبياء عليهم السلام، فتقسيمه أن يقال القائلون بالفاعل المختار، إما أن يكونوا معترفين بوجود الأنبياء، أو لا يكونوا معترفين بذلك، فإما أن يكونوا أتباعاً لمن كان نبياً في الحقيقة أو لمن كان متنبئاً، أما أتباع الأنبياء عليهم السلام فهم المسلمون واليهود والنصارى، وفرقة أخرى بين اليهود والنصارى وهم الصابئون، وأما أتباع المتنبىء فهم المجوس، وأما المنكرون للأنبياء على الإطلاق فهم عبدة الأصنام والأوثان، وهم المسمون بالمشركين، ويدخل فيهم البراهمة على اختلاف طبقاتهم. فثبت أن الأديان الحاصلة بسبب الاختلافات في الأنبياء عليهم السلام هي هذه الستة التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية، قال قتادة ومقاتل الأديان ستة واحدة لله تعالى وهو الإسلام وخمسة للشيطان، وتمام الكلام في هذه الآية قد تقدم في سورة البقرة.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢١٦
أما قوه :﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال الزجاج هذا خبر لقول الله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ كما تقول إن أخاك، إن الدين عليه لكثير. قال جرير :
إن الخليفة إن الله سربله
سربال ملك به ترجى الخواتيم
المسألة الثانية : الفصل مطلق فيحتمل الفصل بينهم في الأحوال والأماكن جميعاً فلا يجازيهم / جزاء واحداً بغير تفاوت ولا يجمعهم في موطن واحد وقيل يفصل بينهم يقضي بينهم.
أما قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾ فالمراد أنه يفصل بينهم وهو عالم بما يستحقه كل منهم فلا يجري في ذلك الفصل ظلم ولا حيف.
أما قوله سبحانه وتعالى :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَه ﴾ ففيه أسئلة :
السؤال الأول : ما الرؤية ههنا الجواب : أنها العلم أي ألم تعلم أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض وإنما عرف ذلك بخبر الله لا أنه رآه.


الصفحة التالية
Icon