المسألة الثانية : روى أبو هريرة رضي الله عنه أن هذه البئر نزل عليها صالح مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به، ونجاهم الله تعالى من العذاب وهم بحضرموت، وإنما سميت بذلك لأن صالحاً حين حضرها مات ثم، وثم بلدة عند البئر اسمها حاضوراً بناها قوم صالح، وأمروا عليها حاسر بن جلاس وجعلوا وزيره سنجاريب وأقاموا بها زماناً ثم كفروا وعبدوا صنماً، وأرسل الله تعالى إليهم حنظلة بن صفوان فقتلوه في السوق فأهلكهم الله تعالى، وعطل بئرهم وخرب قصورهم/ قال الإمام أبو القاسم الإنصاري، وهذا عجيب لأني زرت قبر صالح بالشام ببلدة يقال لها عكة فكيف يقال إنه بحضرموت.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٣٤
أما قوله تعالى :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الارْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ فالمقصود منه ذكر ما يتكامل به ذلك الاعتبار لأن الرؤية لها حظ عظيم في الاعتبار وكذلك / استماع الأخبار فيه مدخل، ولكن لا يكمل هذان الأمران إلا بتدبر القلب لأن من عاين وسمع ثم لم يتدبر ولم يعتبر لم ينتفع ألبتة ولو تفكر فيها سمع لانتفع، فلهذا قال :﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الابْصَـارُ وَلَـاكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ﴾ كأنه قال لا عمى في أبصارهم فإنهم يرون بها لكن العمى في قلوبهم حيث لم ينتفعوا بما أبصروه، وههنا سؤالات :
السؤال الأول : قوله :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الارْضِ﴾ هل يدل على الأمر بالسفر الجواب : يحتمل أنهم ما سافروا فحثهم على السفر ليروا مصارع من أهلكهم الله بكفرهم ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا، ويحتمل أن يكونوا قد سافروا ورأوا ذلك ولكن لم يعتبروا فجعلوا كأن لم يسافروا ولم يروا.
السؤال الثاني : ما معنى الضمير في قوله :﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الابْصَـارُ﴾ والجواب : هذا الضمير ضمير القصة والشأن يجيء مؤنثاً ومذكراً وفي قراءة ابن مسعود ﴿فَإِنَّه ﴾ ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً يفسره الأبصار.
السؤال الثالث : أي فائدة في ذكر الصدور مع أن كل أحد يعلم أن القلب لا يكون إلا في الصدر ؟
الجواب : أن المتعارف أن العمى مكانه الحدقة، فلما أريد إثباته للقلب على خلاف المتعارف احتيج إلى زيادة بيان كما تقول : ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك، فقولك الذي بين فكيك تقرير لما ادعيته للسان وتثبيت، لأن محل المضاء هو هو لا غير، وكأنك قلت ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك سهواً، ولكني تعمدته على اليقين. وعندي فيه وجه آخر وهو أن القلب قد يجعل كناية عن الخاطر والتدبر كقوله تعالى :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَه قَلْبٌ﴾ (ق : ٣٧) وعند قوم أن محل التفكر هو الدماغ فالله تعالى بين أن محل ذلك هو الصدر.
السؤال الرابع : هل تدل الآية على أن العقل هو العلم وعلى أن محل العلم هو القلب ؟
الجواب : نعم لأن المقصود من قوله :﴿قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ﴾ العلم وقوله :﴿يَعْقِلُونَ بِهَآ﴾ كالدلالة على أن القلب آلة لهذا التعقل، فوجب جعل القلب محلاً للتعقل ويسمى الجهل بالعمى لأن الجاهل لكونه متحيراً بشبه الأعمى.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٣٤
٢٣٥
اعلم أنه تعالى لما حكى من عظم ما هم عليه من التكذيب أنهم يستهزئون باستعجال العذاب فقال :﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ وفي ذلك دلالة على أنه عليه السلام كان يخوفهم بالعذاب إن استمروا على كفرهم ولأن قولهم :﴿لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِ الملائكة ﴾ يدل على ذلك فقال تعالى :﴿وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَه ﴾ لأن الوعد بالعذاب إذا كان في الآخرة دون الدنيا فاستعجاله يكون كالخلف ثم بين أن العاقل لا ينبغي أن يستعجل عذاب الآخرة فقال :﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ﴾ يعني فيما ينالهم من العذاب وشدته ﴿كَأَلْفِ سَنَةٍ﴾ لو بقي وعذب في كثرة الآلام وشدتها فبين سبحانه أنهم لو عرفوا حال عذاب الآخرة وأنه بهذا الوصف لما استعجلوه، وهذا قول أبي مسلم وهو أولى الوجوه : الوجه الثاني : أن المراد طول أيام الآخرة في المحاسبة ويرجع معناه إلى قريب مما تقدم، وذلك أن الأيام القصيرة إذا مرت في الشدة كانت مستطيلة فكيف تكون الأيام المستطيلة إذا مرت في الشدة. ثم إن العذاب الذي يكون طول أيامها إلى هذا الحد لا ينبغي للعاقل أن يستعجله والوجه الثالث : أن اليوم الواحد وألف سنة بالنسبة إليه على السواء لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء، فإذا لم يستبعدوا إمهال يوم فلا يستبعدوا أيضاً إمهال ألف سنة.


الصفحة التالية
Icon