المسألة الثانية : قوله :﴿ذَالِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِه ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ﴾ معناه : قاتل من كان يقاتله، ثم كان المقاتل مبغياً عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن وابتدىء بالقتال، قال مقاتل : نزلت في قوم من المشركين لقوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم، فقال بعضهم لبعض : إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون أن يكفوا عن قتالهم لحرمة الشهر، فأبوا وقاتلوهم. فذلك بغيهم عليهم، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم. فوقع في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام ما وقع، فأنزل الله تعالى هذه الآية : وعفا عنهم وغفر لهم وههنا سؤالات :
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٤٨
السؤال الأول : أي تعلق لهذه الآية بما قبلها ؟
الجواب : كأنه سبحانه وتعالى قال مع إكرامي لهم في الآخرة بهذا الوعد لا أدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم.
السؤال الثاني : هل يرجع ذلك إلى المهاجرين خاصة أو إليهم وإلى المؤمنين ؟
الجواب : الأقرب أنه يعود إلى الفريقين فإنه تقدم ذكرهما، وبين ذلك قوله تعالى :﴿لَيَنصُرَنَّهُ اللَّه ﴾ وبعد القتل والموت لا يمكن ذلك في الدنيا.
السؤال الثالث : ما المراد بالعقوبة المذكورة ؟
الجواب : فيه وجهان : أحدهما : المراد ما فعله مشركو مكة مع المهاجرين بمكة من طلب آثارهم، ورد بعضهم إلى غير ذلك، فبين تعالى أن من عاقب هؤلاء الكفار بمثل ما فعلوا فسينصره عليهم، وهذه النصرة المذكورة تقوي تأويل من تأوله على مجاهدة الكفار لا على القصاص، لأن ظاهر النص لا يليق إلا بذلك والجواب الثاني : أن هذه الآية في القصاص والجراحات، وهي آية مدنية عن الضحاك.
السؤال الرابع : لم سمى ابتداء فعلهم بالعقوبة ؟
الجواب : أطلق اسم العقوبة على الأول / للتعلق الذي بينه وبين الثاني كقوله تعالى :﴿وَجَزَا ؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ ﴿يُخَـادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَـادِعُهُمْ﴾.
السؤال الخامس : أي تعلق لقوله :﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ بما تقدم ؟
الجواب : فيه وجوه : أحدها : أن الله تعالى ندب المعاقب إلى العفو عن الجاني بقوله :﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُه عَلَى اللَّه ﴾ (الشورى : ٤٠) ﴿وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ (البقرة : ٢٣٧)، ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَالِكَ لَمِنْ عَزْمِ الامُورِ﴾ (الشورى : ٤٠) فلما لم يأت بهذا المندوب فهو نوع إساءة، فكأنه سبحانه قال : إني قد عفوت عن هذه الإساءة وغفرتها، فإني أنا الذي أذنت لك فيه وثانيها : أنه سبحانه وإن ضمن له النصر على الباغي، لكنه عرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو والمغفرة فلوح بذكر هاتين الصفتين وثالثها : أنه سبحانه دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة، لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده.
السؤال السادس : أي تعلق لقوله :﴿ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ﴾ بما قبله ؟
والجواب : من وجهين : أحدهما : ذلك أي ذلك النصر بسبب أنه قادر ومن آيات قدرته البالغة كونه خالقاً لليل والنهار ومتصرفاً فيهما، فوجب أن يكون قادراً عالماً بما يجري فيهما، وإذا كان كذلك كان قادراً على النصر مصيباً فيه وثانيها : المراد أنه سبحانه مع ذلك النصر ينعم في الدنيا بما يفعله من تعاقب الليل والنهار وولوج أحدهما في الآخر.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٤٨
السؤال السابع : ما معنى إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل الجواب : فيه وجهان : أحدهما : يحصل ظلمة هذا في مكان ضياء ذلك بغيبوبة الشمس، وضياء ذلك في مكان ظلمة هذا بطلوعها، كما يضيء البيت بالسراج ويظلم بفقده وثانيهما : أنه سبحانه يزيد في أحدهما ما ينقص من الآخر من الساعات.
السؤال الثامن : أي تعلق لقوله :﴿وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعُا بَصِيرٌ﴾ بما تقدم ؟
الجواب : المراد أنه كما يقدر على ما لا يقدر عليه غيره، فكذلك يدرك المسموع والمبصر، ولا يجوز المنع عليه، ويكون ذلك كالتحذير من الإقدام على ما لا يجوز في المسموع والمبصر.
السؤال التاسع : ما معنى قوله :﴿ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ وأي تعلق له بما تقدم ؟
الجواب : فيه وجهان : أحدهما : المراد أن ذلك الوصف الذي تقدم ذكره من القدرة على هذه الأمور إنما حصل لأجل أن الله هو الحق أي هو الموجود الواجب لذاته الذي يمتنع عليه التغير والزوال فلا جرم أتى بالوعد والوعيد ثانيهما : أن ما يفعل من عبادته هو الحق وما يفعل من عبادة غيره فهو الباطل كما قال :﴿لَيْسَ لَه دَعْوَةٌ فِى الدُّنْيَا وَلا فِى الاخِرَةِ﴾ (غافر : ٤٣).


الصفحة التالية
Icon