السؤال الرابع : أليس لا يحل له في الزوجة وملك اليمين الاستمتاع في أحوال كحال الحيض وحال العدة وفي الأمة حال تزويجها من الغير وحال عدتها، وكذا الغلام داخل في ظاهر قوله وتعالى :﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ﴾ والجواب : من وجهين : أحدهما : أن مذهب أبي حنيفة / رحمه الله أن الاستثناء من النفي لا يكون إثباتاً واحتج عليه بقوله عليه السلام :"لا صلاة إلا بطهور ولا نكاح إلا بولي" فإن ذلك لا يقتضي حصول الصلاة بمجرد حصول الطهور وحصول النكاح بمجرد حصول الولي. وفائدة الاستثناء صرف الحكم لا صرف المحكوم به فقوله :﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـافِظُونَ * إِلا عَلَى ا أَزْوَاجِهِمْ﴾ معناه أنه يجب حفظ الفروج عن الكل إلا في هاتين الصورتين فإني ما ذكرت حكمهما لا بالنفي ولا بالإثبات الثاني : أنا إن سلمنا أن الاستثناء من النفي إثبات، فغايته أنه عام دخله التخصيص بالدليل فيبقى فيما وراءه حجة.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٦٨
أما قوله تعالى :﴿فَ أولئك هُمُ الْعَادُونَ﴾ يعني الكاملون في العدوان المتناهون فيه.
الصفة السادسة : قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ هُمْ لامَـانَـاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ قرأ نافع وابن كثير واعلم أنه يسمى الشيء المؤتمن عليه والمعاهد عليه أمانة وعهداً/ ومنه قوله تعالى :﴿ظَلِيلا * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الامَـانَـاتِ إِلَى ا أَهْلِهَا﴾ وقال :﴿وَتَخُونُوا أَمَـانَـاتِكُمْ﴾ (الأنفال : ٢٧) وإنما تؤدي العيون دون المعاني فكان المؤتمن عليه الأمانة في نفسه والعهد، ما عقده على نفسه فيما يقربه إلى ربه ويقع أيضاً على ما أمر الله تعالى به كقوله :﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَآ﴾ (آل عمران : ١٨٣) والراعي القائم على الشيء لحفظ وإصلاح كراعي الغنم وراعي الرعية، ويقال من راعى هذا الشيء ؟
أي موليه. واعلم أن الأمانة تتناول كل ما تركه يكون داخلاً في الخيانة وقد قال تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَـانَـاتِكُمْ﴾ (الأنفال : ٢٧٠) فمن ذلك العبادات التي المرء مؤتمن عليها وكل العبادات تدخل في ذلك، لأنها إما أن تخفي أصلاً كالصوم وغسل الجنابة وإسباغ الوضوء أو تخفي كيفية إتيانه بها وقال عليه السلام :"أعظم الناس خيانة من لم يتم صلاته" وعن ابن مسعود رضي الله عنه :"أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون الصلاة" ومن جملة ذلك ما يلتزمه بفعل أو قول فيلزمه الوفاء به كالودائع والعقود وما يتصل بهما. ومن ذلك الأقوال التي يحرم بها العبيد والنساء لأنه مؤتمن في ذلك، ومن ذلك أن يراعى أمانته فلا يفسدها بغصب أو غيره، وأما العهد فإنه دخل فيه العقود والإيمان والنذور، فبين سبحانه أن مراعاة هذه الأمور والقيام بها معتبر في حصول الفلاح.
الصفة السابعة : قوله :﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ وإنما أعاد تعالى ذكرها لأن الخشوع والمحافظة متغايران غير متلازمين، فإن الخشوع صفة للمصلي في حال الأداء لصلاته والمحافظة إنما تصح حال ما لم يؤدها بكمالها. بل المراد بالمحافظة التعهد لشروطها من وقت وطهارة وغيرهما والقيام على أركانها وإتمامها حتى يكون ذلك دأبه في كل وقت، ثم لما ذكر الله تعالى مجموع هذه الأمور قال :﴿ أولئك هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ﴾ وههنا سؤالات :
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٦٨


الصفحة التالية
Icon