السؤال الأول : قرىء ﴿قُل لِّلَّهِ﴾ في الجواب الأول باللام لا غير، وقرىء الله في الأخيرين بغير اللام في مصاحف أهل الحرمين والكوفة والشام وباللام في مصاحف أهل البصرة فما الفرق ؟
الجواب : لا فرق في المعنى، لأن قولك من ربه، ولمن هو ؟
في معنى واحد.
السؤال الثاني : كيف قال :﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ثم حكى عنهم سيقولون الله وفيه تناقض ؟
الجواب : لا تناقض لأن قوله :﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ لا ينفي عملهم بذلك. وقد يقال مثل ذلك في الحجاج على وجه التأكيد لعلمهم والبعث على اعترافهم بما يورد من ذلك.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٩٢
٢٩٤
اعلم أنه سبحانه ادعى أمرين أحدهما : قوله :﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ﴾ وهو كالتنبيه على أن ذلك من قول هؤلاء الكفار، فإن جمعاً منهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله والثاني : قوله :﴿وَمَا كَانَ مَعَه مِنْ إِلَـاهٍ ﴾ وهو قولهم باتخاذ الأصنام آلهة، ويحتمل أن يريد به إبطال قول النصارى والثنوية، ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر الدليل المعتمد بقوله :﴿إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـاها بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ والمعنى لانفرد على (ذلك) كل واحد من الآلهة بخلقه الذي خلقه واستبد به، ولرأيتم ملك كل واحد منهم متميزاً عن ملك الآخر، ولغلب بعضهم على بعض كما ترون حال ملوك الدنيا ممالكهم متميزة وهم متغالبون، وحيث لم تروا أثر التمايز في الممالك والتغالب، فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شيء. فإن قيل :﴿إِذَآ﴾ لا يدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب، فكيف وقع قوله لذهب جزاء وجواباً ؟
ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل، قلنا الشرط محذوف وتقديره ولو كان معه آلهة، وإنما حذف لدلالة قوله :﴿وَمَا كَانَ مَعَه مِنْ إِلَـاهٍ ﴾ عليه، ثم إنه سبحانه نزه نفسه عن قولهم بقوله :﴿سُبْحَـانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ من إثبات الولد والشريك.
أما قوله :﴿عَـالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ﴾ فقرىء بالجر صفة لله، وبالرفع خبر مبدتأ محذوف، والمعنى أنه سبحانه هو المختص بعلم الغيب والشهادة، فغيره وإن علم الشهادة فلن يعلم معها الغيب، والشهادة التي يعلمها لا يتكامل بها النفع إلا مع العلم بالغيب وذلك كالوعيد لهم، فلذلك قال :﴿فَتَعَـالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ثم أمره سبحانه بالانقطاع إليه وأن يدعوه بقوله :﴿قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّى مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِى فِى الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ﴾ قال صاحب "الكشاف" : ما والنون مؤكدتان، أي إن كان ولا بد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، فلا تجعلني قريناً لهم ولا تعذبني بعذابهم، فإن قيل كيف يجوز أن يجعل الله نبيه المعصوم مع الظالمين حتى يطلب أن لا يجعله معهم ؟
قلنا يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه. وما أحسن قول الحسن في قول الصديق : وليتكم ولست بخيركم، مع أنه كان يعلم / أنه خيرهم، ولكن المؤمن يهضم نفسه، وإنما ذكر رب مرتين مرة قبل الشرط ومرة قبل الجزاء مبالغة في التضرع.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٩٤
أما قوله تعالى :﴿وَإِنَّا عَلَى ا أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَـادِرُونَ﴾ ففيه قولان : أحدهما : أنهم كانوا ينكرون الوعد بالعذاب ويضحكون منه، فقيل لهم : إن الله قادر على إنجاز ما وعد ويحتمل عذاباً في الدنيا مؤخراً عن أيامه عليه السلام، فلذلك قال بعضهم : هو في أهل البغى، وبعضهم في الكفار الذين قوتلوا بعد الرسول صلى الله عليه وسلّم والثاني : أن المراد عذاب الآخرة.
أما قوله :﴿ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ فالمراد منه أن الأولى به عليه السلام أن يعامل به الكفار فأمر باحتمال ما يكون منهم من التكذيب وضروب الأذى/ وأن يدفعه بالكلام الجميل كالسلام وبيان الأدلة على أحسن الوجوه، وبين له أنه أعلم بحالهم منه عليه السلام وأنه سبحانه لما لم يقطع نعمه عنهم، فينبغي أن يكون هو عليه السلام مواظباً على هذه الطريقة، قال صاحب "الكشاف" قوله :﴿ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾ (المؤمنون : ٩٦) أبلغ من أن يقال بالحسنة السيئة لما فيه من التفضيل، والمعنى الصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الإحسان، حتى إذا اجتمع الصفح والإحسان وبذل الطاقة فيه كانت حسنة مضاعفة بإزاء السيئة. وقيل هذه الآية منسوخة بآية السيف، وقيل محكمة، لأن المداراة محثوث عليها ما لم تؤد إلى نقصان دين أو مروءة.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٩٤
٢٩٦


الصفحة التالية
Icon