السؤال الأول : كيف يسألون الرجعة وقد علموا صحة الدين بالضرورة، ومن الدين أن لا رجعة ؟
الجواب : أنه وإن كان كذلك فلا يمتنع أن يسألوه لأن الاستعانة بهذا الجنس من المسألة تحسن وإن علم أنه لا يقع فأما إرادته للرجعة فلا يمتنع أيضاً على سبيل ما يفعله المتمني.
السؤال الثاني : ما معنى قوله :﴿لَعَلِّى أَعْمَلُ صَـالِحًا﴾ أفيجوز أن يسأل الرجعة مع الشك ؟
الجواب : ليس المراد بلعل الشك فإنه في هذا الوقت باذل للجهد في العزم على الطاعة إن أعطى ما سأل، بل هو مثل من قصر في حق نفسه وعرف سوء عاقبة ذلك التقصير فيقول مكنوني من التدارك لعلي أتدارك فيقول هذه الكلمة مع كونه جازماً بأنه سيتدارك، ويحتمل أيضاً أن الأمر المستقبل إذا لم يعرفوه أوردوا الكلام الموضوع للترجي والظن دون اليقين، فقد قال تعالى :﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ (الأنعام : ٢٨).
السؤال الثالث : ما المراد بقوله فيما تركت ؟
الجواب : قال بعضهم فيما خلفت من المال ليصير عند الرجعة مؤدياً لحق الله تعالى منه، والمعقول من قوله :﴿تَرَكْتُ ﴾ التركة وقال آخرون بل المراد أعمل صالحاً فيما قصرت فيدخل فيه العبادات البدنية والمالية والحقوق، وهذا أقرب كأنهم تمنوا الرجعة ليصلحوا ما أفسدوه ويطيعوا في كل ما عصوا.
السؤال الرابع : ما المراد بقوله كلا ؟
الجواب : فيه قولان : أحدهما : أنه كالجواب لهم في المنع مما طلبوا، كما يقال لطالب الأمر المستبعد هيهات، روي أنه عليه السلام قال لعائشة رضي الله عنها :"إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا نرجعك إلى دار الدنيا فيقول إلى دار الهموم والأحزان لا بل قدوماً على الله، وأما الكافر فيقال له نرجعك فيقول ارجعون فيقال له إلى أي شيء ترغب إلى جمع المال أو غرس الغراس أو بناء البنيان أو شق الأنهار ؟
فيقول لعلي أعمل صالحاً فيما تركت فيقول فيقول الجبار كلا" الثاني : يحتمل أن يكون على وجه الإخبار بأنهم يقولون ذلك وأن هذا الخبر حق فكأنه قال : حقاً إنها كلمة هو قائلها، والأقرب الأول.
أما قوله :﴿إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ﴾ ففيه وجهان : الأول : أنه لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة عليه الثاني : أنه قائلها وحده ولا يجاب إليها ولا يسمع منه.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٩٦
أما قوله تعالى :﴿قَآاـاِلُهَا وَمِن وَرَآاـاِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ فالبرزخ هو الحاجز والمانع كقوله في البحرين ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ﴾ (الرحمن : ٢٠) أي فهؤلاء صائرون إلى حالة مانعة من التلافي حاجزة عن الاجتماع وذلك هو الموت، وليس المعنى أنهم يرجعون يوم البعث، إنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٩٦
٢٩٨
اعلم أنه سبحانه لما قال :﴿وَمِن وَرَآاـاِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (المؤمنون : ١٠٠) ذكر أحوال ذلك اليوم فقال ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ﴾ وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن الصور آلة إذا نفخ فيها يظهر صوت عظيم، جعله الله تعالى علامة لخراب الدنيا ولإعادة الأموات، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قرن ينفخ فيه وثانيها : أن المراد من الصور مجموع الصور، والمعنى فإذا نفخ في الصور أرواحها وهو قول الحسن فكان يقرأ بفتح الواو والفتح والكسر عن أبي رزين وهو حجة لمن فسر الصور بجمع صورة وثالثها : أن النفخ في الصور استعارة والمراد منه البعث والحشر، والأول أولى للخبر وفي قوله :﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ﴾ (الزمر : ٦٨) دلالة على أنه ليس المراد نفع الروح والإحياء لأن ذلك لا يتكرر.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٢٩٨


الصفحة التالية
Icon