﴿فَجَعَلْنَا عَـالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ (هود : ٨٢) وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يحد اللوطي بل يعذر، أما المفعول به فإن كان عاقلاً بالغاً طائعاً فإن قلنا على الفاعل القتل فيقتل المفعول به على صفة قتل الفاعل للخبر، وإن قلنا على الفاعل حد الزنا فعلى المفعول به مائة جلدة وتغريب عام محصناً كان أو غير محصن، وقيل إن كانت امرأة محصنة فعليها الرجم، وليس بصحيح لأنها لا تصير محصنة بالتمكين في الدبر فلا يلزمها حد المحصنات كما لو كان المفعول به، ذكر حجة الشافعي رحمه الله على وجوب الحد من وجوه : الأول : أن اللواط، إما أن يساوي الزنا في الماهية أو يساويه في لوازم هذه الماهية وإذا كان كذلك وجب الحد بيان الأول : قوله عليه الصلاة والسلام :"إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان" فاللفظ دل على كون اللائط زانياً، واللفظ الدال بالمطابقة على ماهية دال بالالتزام على حصول جميع لوازمها، ودلالة المطابقة والالتزام مشتركان في أصل الدلالة، فاللفظ الدال على حصول الزنا دال على حصول جميع اللوازم، ثم بعد هذا إن تحقق مسمى الزنا في اللواط دخل تحت قوله :﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا ﴾ وإن لم يتحقق مسمى الزنا وجب أن يتحقق لوازم مسمى الزنا لما ثبت أن اللفظ الدال على تحقق ماهية دال على تحقق جميع تلك اللوازم ترك العمل به في حق الماهية / فوجب أن يبقى معمولاً به في الدلالة على جميع تلك اللوازم، لكن من لوازم الزنا وجوب الحد فوجب أن يتحقق ذلك في اللواط. أكثر ما في الباب أنه ترك العمل بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام :"إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان" لكن لا يلزم من ترك العمل هناك تركه ههنا الثاني : أن اللائط يجب قتله فوجب أن يقتل رجماً بيان الأول : قوله عليه السلام :"من عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل منهما والمفعول به" وبيان الثاني : أنه لما وجب قتله وجب أن يكون زانياً وإلا لما جاز قتله لقوله عليه السلام :"لا يحل دم امرىء مسلم إلا لإحدى ثلاث" وههنا لم يوجد كفر بعد إيمان ولا قتل نفس بغير حق فلو لم يوجد الزنا بعد الإحصان لوجب أن لا يقتل، وإذا ثبت أنه وجد الزنا بعد الإحصان وجب الرجم لهذا الحديث الثالث : نقيس اللواط على الزنا، والجامع أن الطبع داع إليه لما فيه من الالتذاذ وهو قبيح فيناسب الزجر، والحد يصلح زاجراً عنه. قالوا : والفرق من وجهين : أحدهما : أنه وجد في الزنا داعيات، فكان وقوعه أكثر فساداً فكانت الحاجة إلى الزاجر أتم الثاني : أن الزنا يقتضي فساد الأنساب والجواب : إلغاؤهما بوطء العجوز الشوهاء واحتج أبو حنيفة رحمه الله بوجوه : أحدها : اللواط ليس بزنا على ما تقدم فوجب أن لا يقتل لقوله عليه الصلاة والسلام :"لا يحل دم امرىء مسلم إلا لإحدى ثلاث" وثانيها : أن اللواط لا يساوي الزنا في الحاجة إلى شرع الزاجر، ولا في الجناية فلا يساويه في الحد بيان عدم المساواة في الحاجة. أن اللواطة وإن كانت يرغب فيها الفاعل لكن لا يرغب فيها المفعول طبعاً بخلاف الزنا، فإن الداعي حاصل من الجانبين، وأما عدم المساواة في الجناية فلأن في الزنا إضاعة النسب ولا كذلك اللواط، إذا ثبت هذا فوجب أن لا يساويه في العقوبة، لأن الدليل ينفي شرع الحد لكونه ضرراً ترك العمل به في الزنا، فوجب أن يبقى في اللواط على الأصل وثالثها : أن الحد كالبدل عن المهر فلما لم يتعلق باللواط المهر فكذا الحد والجواب : عن الأول أن اللواط وإن لم يكن مساوياً للزنا في ماهيته لكنه يساويه في الأحكام وعن الثاني : أن اللواط وإن كان لا يرغب فيه المفعول لكن ذلك بسبب اشتداد رغبة الفاعل، لأن الإنسان حريص على ما منع وعن الثالث : أنه لا بد من الجامع والله أعلم.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٢٠
المسألة الثانية : أجمعت الأمة على حرمة إتيان البهائم. وللشافعي رحمه الله في عقوبته أقوال : أحدها : يجب به حد الزنا فيرجم المحصن ويجلد غير المحصن ويغرب والثاني : أنه يقتل محصناً كان أو غير محصن. لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه" فقيل لابن عباس : ما شأن البهيمة ؟
فقال : ما أراه قال ذلك إلا أنه كره أن يؤكل لحمها، وقد عمل بها ذلك العمل والقول الثالث : وهو الأصح وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري وأحمد رحمهم الله : أن عليه التعزيز لأن الحد شرح للزجر عما تميل النفس إليه، وهذا الفعل لا تميل النفس إليه، وضعفوا حديث ابن عباس رضي الله عنهما لضعف إسناده وإن ثبت فهو معارض بما روي أنه عليه السلام نهى عن ذبح الحيوان إلا لأكله.
المسألة الثالثة : السحق من النسوان وإتيان الميتة والاستمناء باليد لا يشرع فيها إلا التعزيز.