المسألة الثانية : هل يعتبر الكمال في الطرفين أو يعتبر في كل واحد منهما كماله بنفسه دون صاحبه فيه قولان : أحدهما : معتبر في الطرفين حتى لو وطىء الصبي بالغة حرة عاقلة فإنه لا يحصنها وهو قول أبي حنيفة ومحمد والثاني : يعتبر في كل واحد منهما كماله بنفسه وهو قول أبي يوسف رحمه الله.
حجة القول الأول : أنه وطء لا يفيد الإحصان لأحد الوطئين فلا يفيد في الآخر كوطء الأمة.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٢٠
حجة القول الثاني : أنه لا يشترط كونهما على صفة الإحصان وقت النكاح وكذا عند الدخول الشرط الرابع : الإسلام ليس شرطاً في كون الزنا موجباً للرجم عند الشافعي رحمه الله وأبي يوسف، وقال أبو حنيفة رحمه الله شرط، احتج الشافعي بأمور : أحدها : قوله عليه السلام :"فإذا قبلوا الجزية فانبئوهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين" ومن جملة ما على المسلم كونه بحيث يجب عليه الرجم عند الإقدام على الزنا، فوجب أن يكون الذمي كذلك لتحصل التسوية وثانيها : حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أنه عليه السلام رجم يهودياً ويهودية زنياً فإما أن يقال إنه عليه السلام حكم بذلك بشريعته أو بشريعة من قبله، فإن كان الأول فالاستدلال به بين، وإن كان الثاني فكذلك لأنه صار شرعاً له وثالثها : أن زنا الكافر مثل زنا المسلم فيجب عليه مثل ما يجب على المسلم وذلك لأن الزنا محرم قبيح فيناسب الزجر وإيجاب الرجم يصلح زاجراً له ولا يبقى إلا التفاوت بالكفر والإيمان، والكفر وإن كان لا يوجب تغليظ الجناية فلا يوجب تخفيفها واحتج أبو حنيفة رحمه الله بوجوه : أحدها : التمسك بعموم قوله :﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ وجب العمل به في حق المسلم ولا يجب في الذمي لمعنى مفقود في الذمي، ووجه الفرق أن القتل بالأحجار عقوبة عظيمة فلا يجب إلا بجناية عظيمة، والجناية تعظم بكفران النعم في حق الجاني عقلاً وشرعاً، أما العقل فلأن المعصية كفران النعمة وكلما كانت النعم أكثر وأعظم كان كفرانها أعظم وأقبح، وأما الشرح فلأن الله تعالى قال في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلّم :﴿يَـانِسَآءَ النَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَـاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ (الأحزاب : ٣٠) فلما كانت نعم الله تعالى في حقهن أكثر كان العذاب في حقهن أكثر، وقال في حق الرسول :﴿لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْـاًا قَلِيلا * إِذًا لاذَقْنَـاكَ ضِعْفَ الْحَيَواةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ (الإسراء : ٧٤، ٧٥) وإنما عظمت معصيته لأن النعمة في حقه أعظم وهي نعمة النبوة، ومن المعلوم أن نعم الله تعالى في حق المسلم المحصن أكثر منها في حق الذمي، فكانت معصية المسلم أعظم فوجب أن تكون عقوبته أشد وثانيها : أن الذمي لم يزن بعد الإحصان فلا يجب عليه القتل بيان الأول : قوله عليه السلام :"من أشرك بالله طرفة عين فليس بمحصن" بيان الثاني : أن المسلم الذي لا يكون محصناً لا يجب عليه القتل لقوله عليه السلام :"لا يحل دم امرىء مسلم إلا لإحدى ثلاث" وإذا كان المسلم كذلك وجب أن يكون الذمي كذلك لقوله عليه السلام :"إذا قبلوا عقد الجزية فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين" وثالثها : أجمعنا على أن إحصان القذف يعتبر فيه الإسلام، فكان إحصان الرجم والجامع ما ذكرنا من كمال النعمة والجواب : عن الأول أنه خص عنه الثيب المسلم فكذا الثيب الذمي، وما ذكروه من حديث زيادة النعمة على المؤمنين فنقول نعمة الإسلام حصلت بكسب العبد فيصير ذلك كالخدمة الزائدة، وزيادة الخدمة إن لم تكن سبباً للعذر فلا أقل من أن لا تكون سبباً لزيادة العقوبة، وعن الثاني لا نسلم أن الذمي مشرك سلمناه، لكن الإحصان قد يراد به التزوج لقوله تعالى :
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٢٠
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ﴾ (النور : ٤٠) وفي التفسير :﴿فَإِذَآ أُحْصِنَّ﴾ (النساء : ٢٥) يعني فإذا تزوجن إذا ثبت هذا فنقول الذمي الثيب محصن بهذا التفسير فوجب رجمه لقوله صلى الله عليه وسلّم أو زنا بعد إحصان رتب الحكم في حق المسلم على هذا الوصف فدل على كون الوصف علة والوصف قائم في حق الذمي فوجب كونه مستلزماً للحكم بالرجم وعن الثالث أن حد القذف لدفع العار كرامة للمقذوف، والكافر لا يكون محلاً للكرامة وصيانة العرض بخلاف ما ههنا والله أعلم، أما ما يتعلق بالجلد ففيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon