لما روي "أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يد لامس، قال طلقها. قال إني أحبها، قال فأمسكها" أما إذا سمعه ممن لا يوثق بقوله أو استفاض من بين الناس ولكن الزوج لم يره معها أو بالعكس لم يحل له قذفها، لأنه قد يذكره من لا يكون ثقة فينتشر ويدخل بيتها خوفاً من قاصد أو لسرقة أو لطلب فجور فتأبى المرأة قال الله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ جَآءُو بِالافْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾ (النور : ١١) أما إذا كان ثم ولد يريد نفيه، نظر فإن تيقن أنه ليس منه بأن لم يكن وطئها الزوج أو وطئها لكنها أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت الوطء أو لأكثر من أربع سنين يجب عليه نفيه باللعان لأنه ممنوع من استلحاق نسب الغير كما هو ممنوع من نفي نسبه، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولم يدخلها الله جنته" فلما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم كان الرجل أيضاً كذلك، أما إن احتمل أن يكون منه بأن أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الوطء ولدون أربع سنين، نظر إن لم / يكن قد استبرأها بحيضة، أو استبرأها وأتت به لدون ستة أشهر من وقت الاستبراء، لا يحل له القذف والنفي وإن اتهمها بالزنا، قال النبي صلى الله عليه وسلّم :"أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين" فإن استبرأها وأتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الاستبراء يباح له القذف والنفي. والأولى أن لا يفعل لأنها قد ترى الدم على الحبل وإن أتت امرأته بولد لا يشبهه بأن كانا أبيضين فأتت به أسود، نظر إن لم يكن يتهمها بالزنا فليس له نفيه، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه :"أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلّم إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال هل لك من إبل ؟
قال نعم، قال ما ألوانها ؟
قال حمر، قال فهل فيها أورق ؟
قال نعم، قال فكيف ذاك ؟
قال نزعه عرق قال فلعل هذا نزعه عرق" وإن كان يتهمها بزنا أو يتهمها برجل فأتت بولد يشبهه هل يباح له نفيه فيه وجهان : أحدهما : لا لأن العرق ينزع والثاني : له ذلك لأن التهمة قد تأكدت بالشبهة.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٣٧
البحث الثاني : في الرامي وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إذا قذف الصبي أو المجنون امرأته أو أجنبياً فلا حد عليهما ولا لعان، لا في الحال ولا بعد البلوغ، لقوله عليه الصلاة والسلام :"رفع القلم عن ثلاث" ولكن يعزران للتأديب إن كان لهما تمييز، فلو لم تتفق إقامة التعزير على الصبي حتى بلغ، قال القفال يسقط التعزير لأنه كان للزجر عن إساءة الأدب وقد حدث زاجر أقوى وهو البلوغ.
المسألة الثانية : الأخرس إذا كانت له إشارة مفهومة أو كتابة معلومة وقذف بالإشارة أو بالكناية لزمه الحد، وكذلك يصح لعانه بالإشارة والكناية، وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يصح قذف الأخرس ولا لعانه، وقول الشافعي رحمه الله أقرب إلى ظاهر الآية لأن من كتب أو أشار إلى القذف فقد رمى المحصنة وألحق العار بها فوجب اندراجه تحت الظاهر، ولأنا نقيس قذفه ولعانه على سائر الأحكام.
المسألة الثالثة : اختلفوا فيما إذا قذف العبد حراً فقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد وزفر وعثمان القن عليه أربعون جلدة، روى الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علياً عليه السلام قال :"يجلد العبد في القذف أربعين" وعن عبدالله بن عمر أنه قال :"أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء وكلهم يضربون المملوك في القذف أربعين" وقال الأوزاعي يجلد ثمانين وهو مروي عن ابن مسعود/ وروي أنه جلد عمر بن عبد العزيز العبد في الفرية ثمانين. ومدار المسألة على حرف واحد وهو أن هذه الآية صريحة في إيجاب الثمانين فمن رد هذا الحد إلى أربعين فطريقه أن الله تعالى قال :﴿فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَـاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ (النساء : ٢٥) فنص على أن حد الأمة في الزنا نصف حد الحرة، ثم قاسوا العبد على الأمة في تنصيف حد الزنا، ثم قاسوا تنصيف حد قذف العبد على تنصيف حد الزنا في حقه، فرجع حاصل الأمر إلى تخصيص عموم الكتاب بهذا القياس.
المسألة الرابعة : اتفقوا على دخول الكافر تحت عموم قوله :﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ﴾ لأن الاسم يتناوله ولا مانع، فاليهودي إذا قذف المسلم يجلد ثمانين والله أعلم.
البحث الثالث : في المرمى وهي المحصنة، قال أبو مسلم : اسم الإحصان يقع على المتزوجة وعلى العفيفة وإن لم تتزوج، لقوله تعالى في مريم :﴿وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ (الأنبياء : ٩١) وهو مأخوذ من منع الفرج فإذا تزوجت منعته إلا من زوجها، وغير المتزوجة تمنعه كل أحد، ويتفرع عليه مسائل :
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٣٧


الصفحة التالية
Icon