﴿إِن شَآءَ اللَّهُ﴾ إلى جميع ما تقدم صحة رجوع الاستثناء بحرفه إلى جميع ما تقدم، قلنا هذا فرق في غير محل الجمع، لأن إن شاء الله جاز دخوله لرفع حكم الكلام بالكلية، فلا جرم جاز رجوعه إلى جميع الجمل المذكورة وإلا جاز دخوله لرفع بعض الكلام فوجب جواز رجوعه إلى جميع الجمل على هذا الوجه، حتى يقتضي أن يخرج من كل واحد من الجمل المذكورة بعضه وثانيها : أن الواو للجمع المطلق فقوله :﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَـانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَـادَةً أَبَدًا وَ أولئك هُمُ الْفَـاسِقُونَ﴾ صار الجمع كأنه ذكر معاً لا تقدم للبعض على البعض، فلما دخل عليه الاستثناء لم يكن رجوع الاستثناء إلى بعضها أولى من رجوعه إلى الباقي إذ لم يكن لبعضها على بعض تقدم في المعنى ألبتة فوجب رجوعه إلى الكل، ونظيره على قول أبي حنيفة رحمه الله قوله تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى﴾ (المائدة : ٦) فإن فاء التعقيب ما دخلت على غسل الوجه بل على مجموع هذه الأمور من حيث إن الواو لا تفيد الترتيب. فكذا ههنا كلمة إلا ما دخلت على واحد بعينه لأن حرف الواو لا يفيد الترتيب بل دخلت على المجموع، فإن قيل الواو قد تكون للجمع على ما ذكرت وقد تكون للاستئناف وهي في قوله :﴿وَ أولئك هُمُ الْفَـاسِقُونَ﴾ لأنها إنما تكون للجمع فيما لا يختلف معناه ونظمه جملة واحدة، فيصير الكل كالمذكور معاً مثل آية الوضوء فإن الكل أمر / واحد كأنه قال فاغسلوا هذه الأعضاء فإن الكل قد تضمنه لفظ الأمر. وأما آية القذف فإن ابتداءها أمر وآخرها خبر فلا يجوز أن ينظمهما جملة واحدة، وكان الواو للاستئناف فيختص الاستثناء به، قلنا لم لا يجوز أن نجعل الجمل الثلاث بمجموعهن جزاء الشرط كأنه قيل ومن قذف المحصنات فاجلدوهم وردوا شهادتهم وفسقوهم، أي فاجمعوا لهم الجلد والرد والفسق، إلا الذين تابوا عن القذف وأصلحوا فإن الله يغفر لهم فينقبون غير مجلودين ولا مردودين ولا مفسقين وثالثها : أن قوله :﴿وَ أولئك هُمُ الْفَـاسِقُونَ﴾ عقيب قوله :﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَـادَةً أَبَدًا ﴾ يدل على أن العلة في عدم قبول تلك الشهادة كونه فاسقاً، لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، لا سيما إذا كان الوصف مناسباً وكونه فاسقاً يناسب أن لا يكون مقبول الشهادة، إذا ثبت أن العلة لرد الشهادة ليست إلا كونه فاسقاً، ودل الاستثناء على زوال الفسق فقد زالت العلة فوجب أن يزول الحكم لزوال العلة ورابعها : أن مثل هذا الاستثناء موجود في القرآن، قال الله تعالى :
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٣٧


الصفحة التالية
Icon