﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ﴾ قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار لو وجدت رجلاً على بطنها فإني إن جئت بأربعة من الشهداء يكون قد قضى حاجته وذهب/ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يا معشر الأنصار أما تسمعون ما يقول سيدكم ؟
فقالوا يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور، فقال سعد يا رسول الله والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق، ولكني عجبت منه، فقال عليه السلام فإن الله يأبى إلا ذلك، قال فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى جاء ابن عمر له يقال له هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم، فقال يا رسول الله إني وجدت مع امرأتي رجلاً رأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما جاء به، فقال هلال والله يا رسول الله إني لأرى الكراهة في وجهك مما أخبرتك به والله يعلم أني لصادق وما قلت إلا حقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"إما البيتة وإما إقامة الحد عليك" فاجتمعت الأنصار فقالوا ابتلينا بما قال سعد، فبينا هم كذلك إذ نزل عليه الوحي وكان إذا نزل عليه الوحي اربد وجهه وعلا جسده حمرة فلما سرى عنه قال عليه السلام أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً، قال قد كنت أرجو ذلك من الله تعالى فقرأ عليهم هذه الآيات فقال عليه السلام ادعوها فدعيت فكذبت هلالاً، فقال عليه السلام الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب وأمر بالملاعنة فشهد هلال أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين فقال عليه السلام له عند الخامسة اتق الله يا هلال فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني رسول الله صلى الله عليه وسلّم وشهد الخامسة، ثم قال رسول الله أتشهدين فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين فلما أخذت في الخامسة قال لها اتقي الله فإن الخامسة هي الموجبة، فتفكرت ساعة وهمت بالاعتراف ثم قالت والله لا أفضح قومي وشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلّم بينهما، ثم قال : انظروها إن جاءت به أثيبج أصهب أحمش الساقين فهو لهلال، وإن / جاءت به خدلج الساقين أورق جعداً فهو لصاحبه، فجاءت به أورق خدلج الساقين فقال عليه السلام لولا الإيمان لكان لي ولها شأن" قال عكرمة لقد رأيته بعد ذلك أمير مصر من الأمصار ولا يدري من أبوه.
البحث الثاني : ما يتعلق بالقراءة قرىء ولم تكن بالتاء لأن الشهداء جماعة أو لأنهم في معنى الأنفس ووجه من قرأ أربع أن ينصب لأنه في حكم المصدر والعامل فيه المصدر الذي هو فشهادة أحدهم وهي مبتدأ محذوف الخبر فتقديره فواجب شهادة أحدهم أربع شهادات، وقرىء أن لعنة الله وأن غضب الله على تخفيف أن ورفع ما بعدها، وقرىء أن غضب الله على فعل الغضب، وقرىء بنصب الخامستين على معنى ويشهد الخامسة.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٤٠
البحث الثالث : ما يتعلق بالأحكام، والنظر فيه يتعلق بأطراف :
الطرف الأول : في موجب اللعان وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه إذا رمى الرجل امرأته بالزنا يجب عليه الحد إن كانت محصنة والتعزير إن لم تكن محصنة، كما في رمي الأجنبية لا يختلف موجبهما غير أنهما يختلفان في المخلص ففي قذف الأجنبي لا يسقط الحد عن القاذف إلا بإقرار المقذوف أو ببينة تقوم على زناها، وفي قذف الزوجة يسقط عنه الحد بأحد هذين الأمرين أو باللعان، وإنما اعتبر الشرع اللعان في هذه الصورة دون الأجنبيات لوجهين : الأول : أنه لا معرة عليه في زنا الأجنبية والأولى له ستره، أما إذا زنى بزوجته فيلحقه العار والنسب الفاسد، فلا يمكنه الصبر عليه وتوقيفه على البينة كالمعتذر، فلا جرم خص الشرع هذه الصورة باللعان الثاني : أن الغالب في المتعارف من أحوال الرجل مع امرأته أنه لا يقصدها بالقذف إلا عن حقيقة، فإذا رماها فنفس الرمي يشهد بكونه صادقاً إلا أن شهادة الحال ليست بكاملة فضم إليها ما يقويها من الإيمان/ كشهادة المرأة لما ضعفت قويت بزيادة العدد والشاهد الواحد يتقوى باليمين على قول كثير من الفقهاء.
المسألة الثانية : قال أبو بكر الرازي كان حد قاذف الأجنبيات والزوجات والجلد، والدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلّم لهلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء "ائتني بأربعة يشهدون لك وإلا فحد في ظهرك" فثبت بهذا أن حد قاذف الزوجات كان كحد قاذف الأجنبيات إلا أنه نسخ عن الأزواج الجلد باللعان، وروى نحو ذلك في الرجل الذي قال أرأيتم لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فإن تكلم جلدتموه، وإن قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ. فدلت هذه الأخبار على أن حد قاذف الزوجة كان الجلد وأن الله نسخه باللعان.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٤٠


الصفحة التالية
Icon