المسألة الثانية : الآية دالة على بطلان قول من يقول إن وقوع الزنا يفسد النكاح، وذلك لأنه يجب إذا رماها بالزنا أن يكون قوله هذا كأنه معترف بفساد النكاح حتى يكون سبيله سبيل من يقر بأنها أخته من الضراع أو بأنها كافرة، ولو كان كذلك لوجب أن تقع الفرقة بنفس الرمي من قبل اللعان وقد ثبت بالإجماع فساد ذلك.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٤٠
المسألة الثالثة : قالت المعتزلة دلت الآية على أن القاذف مستحق للعن الله تعالى إذا كان كاذباً وأنه قد فسق، وكذلك الزاني والزانية يستحقان غضب الله تعالى وعقابه وإلا لم يحسن منهما أن يلعنا أنفسهما، كما لا يجوز أن يدعو أحد ربه أن يلعن الأطفال والمجانين، وإذا صح ذلك فقد / استحق العقاب، والعقاب يكون دائماً كالثواب ولا يجتمعان فثوابهما أيضاً محبط، فلا يجوز إذا لم يتوبا أن يدخلا الجنة، لأن الأمة مجمعة على أن من دخل الجنة من المكلفين فهو مثاب على طاعاته وذلك يدل على خلود الفساق في النار، قال أصحابنا لا نسلم أن كونه مغضوباً عليه بفسقه ينافي كونه مرضياً عنه لجهة إيمانه، ثم لو سلمناه فلم نسلم أن الجنة لا يدخلها إلا مستحق الثواب والإجماع ممنوع.
المسألة الرابعة : إنما خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله تغليظاً عليها لأنها هي أصل الفجور ومنبعه بخيلائها وإطماعها ولذلك كانت مقدمة في آية الجلد.
واعلم أنه سبحانه لما بين حكم الرامي للمحصنات والأزواج على ما ذكرنا وكان في ذلك من الرحمة والنعمة ما لا خفاء فيه، لأنه تعالى جعل باللعان للمرء سبيلاً إلى مراده، ولها سبيلاً إلى دفع العذاب عن نفسها، ولهما السبيل إلى التوبة والإنابة، فلأجل هذا بين تعالى بقوله :﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُه ﴾ عظم نعمه فيما بينه من هذه الأحكام وفيما أمهل وأبقى ومكن من التوبة ولا شبهة في أن في الكلام حذفاً إذ لا بد من جواب إلا أن تركه يدل على أنه أمر عظيم لا يكتنه، ورب مسكوت عنه أبلغ من منطوق به.
الحكم الخامس
قصة الإفك
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٤٠
٣٤٢
الكلام في هذه الآية من وجهين : أحدهما : تفسيره والثاني : سبب نزوله :
أما التفسير فاعلم أن الله تعالى ذكر في هذه الآية ثلاثة أشياء : أولها : أنه حكى الواقعة وهو قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ جَآءُو بِالافْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾ والإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء، وقيل هو البهتان وهو الأمر الذي لا تشعر به حتى يفجأك وأصله الإفك وهو القلب لأنه قول مأفوك عن وجهه، وأجمع المسلمون على أن المراد ما أفك به على عائشة، وإنما وصف الله تعالى ذلك الكذب بكونه إفكاً لأن المعروف من حال عائشة خلاف ذلك لوجوه : أحدها : أن كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلّم المعصوم يمنع من ذلك. لأن الأنبياء مبعوثون إلى الكفار ليدعوهم / ويستعطفوهم، فوجب أن لا يكون معهم ما ينفرهم عنهم وكون الإنسان بحيث تكون زوجته مسافحة من أعظم المنفرات، فإن قيل كيف جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة وأيضاً فلو لم يجز ذلك لكان الرسول أعرف الناس بامتناعه ولو عرف ذلك لما ضاق قلبه، ولما سأل عائشة عن كيفية الواقعة قلنا الجواب عن الأول أن الكفر ليس من المنفرات، أما كونها فاجرة فمن المنفرات والجواب : عن الثاني أنه عليه السلام كثيراً ما كان يضيق قلبه من أقوال الكفار مع علمه بفساد تلك الأقوال، قال تعالى :﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ (الحجر : ٩٧) فكان هذا من هذا الباب وثانيها : أن المعروف من حال عائشة قبل تلك الواقعة إنما هو الصون والبعد عن مقدمات الفجور، ومن كان كذلك كان اللائق إحسان الظن به وثالثها : أن القاذفين كانوا من المنافقين وأتباعهم، وقد عرف أن كلام العدو المفترى ضرب من الهذيان، فلمجموع هذه القرائن كان ذلك القول معلوم الفساد قبل نزول الوحي. أما العصبة فقيل إنها الجماعة من العشرة إلى الأربعين وكذلك العصابة واعصوصبوا اجتمعوا، وهم عبدالله بن أبي بن سلول رأس النفاق، وزيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٤٢


الصفحة التالية
Icon