المسألة الثالثة : هل يجوز أن يسمى الله تعالى واعظاً لقوله :﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا ﴾ ؟
الأظهر أنه لا يجوز كما لا يجوز أن يسمى معلماً لقوله :﴿الرَّحْمَـانُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ﴾ (الرحمن : ١/٢).
أما قوله تعالى :﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الايَـاتِا وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ فالمراد من الآيات ما به يعرف المرء ما ينبغي أن يتمسك به، ثم بين أنه لكونه عليماً حكيماً يؤثر بما يجب أن يبينه ويجب أن يطاع لأجل ذلك، لأن من لا يكون عالماً لا يجب قبول تكليفه، لأنه قد يأمر بما لا ينبغي، ولأن / المكلف إذا أطاعه فقد لا يعلم أنه أطاعه، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة، وأما من كان عالماً لكنه لا يكون حكيماً فقد يأمره بما لا ينبغي فإذا أطاعه المكلف فقد يعذب المطيع وقد يثيب العاصي، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة، وأما إذا كان عليماً حكيماً فإنه لا يأمر إلا بما ينبغي ولا يهمل جزاء المستحقين، فلهذا ذكر هاتين الصفتين وخصهما بالذكر، وههنا سؤالات :
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٤٧
الأول : الحكيم هو الذي لا يأتي بما لا ينبغي، وإنما يكون كذلك لو كان عالماً بقبح القبيح وعالماً بكونه غنياً عنه فيكون العليم داخلاً في الحكيم، فكان ذكر الحكيم مغنياً عنه. هذا على قول المعتزلة، وأما على قول أهل السنة والجماعة فالحكمة هي العلم فقط، فذكر العليم الحكيم يكون تكراراً محضاً الجواب : يحمل ذلك على التأكيد.
السؤال الثاني : قالت المعتزلة دلت الآية على أنه إنما يجب قبول بيان الله تعالى لمجرد كونه عالماً حكيماً، والحكيم هو الذي لا يفعل القبائح فتدل الآية على أنه لو كان خالقاً للقبائح لما جاز الاعتماد على وعده ووعيده والجواب : الحكم عندنا هو العليم، وإنما يجوز الاعتماد على قوله لكونه عالماً بكل المعلومات، فإن الجاهل لا اعتماد على قوله ألبتة.
السؤال الثالث : قالت المعتزلة قوله :﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أي لأجلكم، وهذا يدل على أن أفعاله معللة بالأغراض، ولأن قوله :﴿لَكُمْ﴾ لا يجوز حمله على ظاهره لأنه ليس الغرض نفس ذواتهم بل الغرض حصول انتفاعهم وطاعتهم وإيمانهم/ فدل هذا على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل والجواب : المراد أنه سبحانه فعل بهم ما لو فعله غيره لكان ذلك غرضاً.
النوع السابع
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٤٧
٣٤٧
اعلم أنه سبحانه لما بين ما على أهل الإفك وما على من سمع منهم، وما ينبغي أن يتمسكوا به من آداب الدين أتبعه بقوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَـاحِشَةُ﴾ ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك في هذا الذم كما شارك فيه من فعله ومن لم ينكره، وليعلم أن أهل الأفك كما عليهم العقوبة فيما أظهروه، فكذلك يستحقون العقاب بما أسروه من محبة إشاعة الفاحشة في المؤمنين، وذلك يدل على وجوب سلامة القلب للمؤمنين كوجوب كف الجوارح والقول عما يضربهم، وههنا مسائل :
المسألة الأولى : معنى الإشاعة الانتشار يقال في هذا العقار سهم شائع إذا كان في الجميع ولم يكن منفصلاً، وشاع الحديث إذا ظهر في العامة.
المسألة الثانية : لا شك أن ظاهر قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ﴾ يفيد العموم وأنه يتناول كل من كان بهذه الصفة، ولا شك أن هذه الآية نزلت في قذف عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فوجب إجراؤها على ظاهرها في العموم، ومما يدل على أنه لا يجوز تخصيصها بقذفة عائشة قوله تعالى في :﴿الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فإنه صيغة جمع ولو أراد عائشة وحدها لم يجز ذلك، والذين خصصوه بقذفة عائشة منهم من حمله على عبدالله بن أبي، لأنه هو الذي سعى في إشاعة الفاحشة قالوا معنى الآية :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ﴾ والمراد عبدالله أن تشيع الفاحشة أي الزنا في الذين آمنوا أي في عائشة وصفوان.
المسألة الثالثة : روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"إني لأعرف قوماً يضربون صدورهم ضرباً يسمعه أهل النار، وهم الهمازون اللمازون الذين يلتمسون عورات المسلمين ويهتكون ستورهم ويشيعون فيهم من الفواحش ما ليس فيهم" وعنه عليه الصلاة والسلام :"لا يستر عبد مؤمن عورة عبد مؤمن إلا ستره الله يوم القيامة ومن أقال مسلماً صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة ومن ستر عورته ستر الله عورته يوم القيامة" وعنه عليه الصلاة والسلام :"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" وعن عبدالله بن عمر عنه عليه الصلاة والسلام قال :"من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويحب أن يؤتى إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه" وعن أنس قال : قال عليه الصلاة والسلام :"لا يؤمن العبد حتى يجب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير".
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٤٧


الصفحة التالية
Icon