المسألة الثامنة : مذهب الجمهور الفقهاء أنه من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها أنا ينبغي له أن يأتي الذي هو خير ثم يكفر عن يمينه، وقال بعضهم إنه يأتي بالذي هو خير، وذلك كفارته واحتج ذلك القائل بالآية والخبر، أما الآية فهي أن الله تعالى أمر أبا بكر بالحنث ولم يوجب عليه كفارة، وأما الخبر فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وذلك كفارته" وأما دليل قول الجمهور فأمور : أحدها : قوله تعالى :﴿وَلَـاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الايْمَـانَ ﴾ (المائدة : ٨٩) فكفارته وقوله :﴿ذَالِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَـانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ (المائدة : ٨٩) وذلك عام في الحانث في الخير وغيره وثانيها : قوله تعالى في شأن أيوب حين حلف على امرأته أن يضربها ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّه وَلا تَحْنَثْ ﴾ (ص : ٤٤) وقد علمنا أن الحنث كان خيراً من تركه وأمره الله بضرب لا يبلغ منها، ولو كان الحنث فيها كفارتها لما أمر بضربها بل كان يحنث بلا كفارة وثالثها : قوله عليه الصلاة والسلام :"من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" أما الجواب : عما ذكره أولاً فهو أنه تعالى لم يذكر أمر الكفارة في قصة أبي بكر لا نفياً ولا إثباتاً لأن حكمه كان معلوماً في سائر الآيات والجواب : عما ذكره ثانياً في قوله :"وليأت الذي هو خير وذلك كفارته" فمعناه تكفير الذنب لا الكفارة / المذكورة في الكتاب/ وذلك لأنه منهي عن نقض الأيمان فأمره ههنا بالحنث والتوبة، وأخبر أن ذلك يكفر ذنبه الذي ارتكبه بالحلف.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٥٥
المسألة التاسعة : روى القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أنها :"قالت فضلت أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم بعشر خصال تزوجني رسول صلى الله عليه وسلّم بكراً دون غيري، وأبواي مهاجران، وجاء جبريل عليه السلام بصورتي في حريرة وأمره أن يتزوج بي، وكنت أغتسل معه في إناء واحد، وجبريل عليه السلام ينزل عليه بالوحي وأنا معه في لحاف واحد، وتزوجني في شوال وبنى بي في ذلك الشهر، وقبض بين سحري ونحري، وأنزل الله تعالى عذري من السماء، ودفن في بيتي وكل ذلك لم يساوني غيري فيه" وقال بعضهم برأ الله أربعة بأربعة : برأ يوسف عليه السلام بلسان الشاهد، وشهد شاهد من أهلها، وبرأ موسى عليه السلام من قول اليهود بالحجر الذي ذهب بثوبه، وبرأ مريم بإنطاق ولدها، وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر، وروى أنه لما قربت وفاة عائشة جاء ابن عباس يستأذن عليها، فقالت : يجيء الآن فيثني علي، فخبره ابن الزبير فقال ما أرجع حتى تأذن لي، فأذنت له فدخل فقالت عائشة : أعوذ بالله من النار، فقال ابن عباس يا أم المؤمنين مالك والنار قد أعاذك الله منها، وأنزل براءتك تقرأ في المساجد وطيبك فقال :﴿وَالطَّيِّبَـاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَـاتِ ﴾ (النور : ٢٦) كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلّم إليه، ولم يحب صلى الله عليه وسلّم إلا طيباً وأنزل بسببك التيمم فقال :﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (النساء : ٤٣) وروي أن عائشة وزينب تفاخرتا، فقالت زينب : أنا التي أنزل ربي تزويجي، وقالت عائشة أنا التي برأني ربي حين حملني ابن المعطل على الراحلة، فقالت لها زينب : ما قلت حين ركبتيها ؟
قالت قلت : حسبي الله ونعم الوكيل. فقالت قلت كلمة المؤمنين.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٥٥
٣٥٦
وفيه مسألتان :


الصفحة التالية
Icon