بخلاف المرأة في حق الرجل، لأن بدن المرأة في ذاته عورة بدليل أنه لا تصح صلاتها مكشوفة البدن وبدن الرجل بخلافه، ولا يجوز لها قصد النظر عند خوف الفتنة ولا تكرير النظر إلى وجهه لما روي عن أم سلمة :"أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلّم وميمونة إذ أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليها فقال عليه الصلاة والسلام : احتجبا منه، فقلت يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ؟
فقال عليه الصلاة والسلام أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه" وإن كان محرماً لها فعورته معها ما بين السرة والركبة وإن كان زوجها أو سيدها الذي يحل له وطؤها فلها أن تنظر إلى جميع بدنه غير أنه يكره النظر إلى الفرج كهو معها، ولا يجوز للرجل أن يجلس عارياً في بيت خال وله ما يستر عورته، لأنه روي أنه عليه الصلاة والسلام سئل عنه فقال :"الله أحق أن يستحيي منه". وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال :"إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله" والله أعلم.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٧١
المسألة الثالثة : سئل الشبلي عن قوله :﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَـارِهِمْ﴾ فقال أبصار الرؤوس عن المحرمات/ وأبصار القلوب عما سوى الله تعالى.
وأما قوله تعالى :﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ فالمراد به عما لا يحل، وعن أبي العالية أنه قال : كل ما في القرآن من قوله :﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾، ويحفظن فروجهن، من الزنا إلا التي في النور :﴿مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ أن لا ينظر إليها أحد، وهذا ضعيف لأنه تخصيص من غير دلالة، والذي يقتضيه الظاهر أن يكون المعنى حفظها عن سائر ما حرم الله عليه من الزنا والمس والنظر، وعلى أنه إن كان المراد حظر النظر فالمس والوطء أيضاً مرادان بالآية، إذ هما أغلظ من النظر، فلو نص الله تعالى على النظر لكان في مفهوم الخطاب ما يوجب حظر الوطء والمس، كما أن قوله تعالى :﴿فَلا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾ (الإسراء : ٢٣) اقتضى حظر ما فوق ذلك من السب والضرب.
أما قوله تعالى :﴿ذَالِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ (النور : ٣٠) أي تمسكهم بذلك أزكى لهم وأطهر، لأنه من باب ما يزكون به ويستحقون الثناء والمدح، ويمكن أن يقال إنه تعالى خص في الخطاب المؤمنين لما أراده من تزكيتهم بذلك، ولا يليق ذلك بالكافر.
أما قوله تعالى :﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ فالقول فيه على ما تقدم، فإن قيل فلم قدم غض الأبصار على حفظ الفروج، قلنا لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه.
أما قوله تعالى :﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ فمن الأحكام التي تختص بها النساء في الأغلب، وإنما قلنا في الأغلب لأنه محرم على الرجل أن يبدي زينته حلياً ولباساً إلى غير ذلك للنساء الأجنبيات، لما فيه من الفتنة وههنا مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في المراد بزينتهن، واعلم أن الزينة اسم يقع على محاسن الخلق التي خلقها الله تعالى وعلى سائر ما يتزين به الإنسان من فضل لباس أو حلى وغير ذلك، وأنكر بعضهم وقوع اسم الزينة عل الخلقة، لأنه لا يكاد يقال في الخلقة إنها من زينتها. وإنما يقال ذلك فيما تكتسبه من كحل وخضاب وغيره، والأقرب أن الخلقة داخلة في الزينة، ويدل عليها وجهان : الأول : أن الكثير من النساء ينفردن بخلقتهن عن سائر ما يعد زينة، فإذا حملناه على الخلقة وفينا العموم حقه، ولا يمنع دخول ما عدا الخلقة فيه أيضاً الثاني : أن قوله :﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ يدل على أن المراد بالزينة ما يعم الخلقة وغيرها فكأنه تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقتهن بأن أوجب سترها بالخمار، وأما الذين قالوا الزينة عبارة عما سوى الخلقة فقد حصروه في أمور ثلاثة : أحدها : الأصباغ كالكحل والخضاب بالوسمة في حاجبيها والغمرة في خديها والحناء في كفيها وقدميها وثانيها : الحلى كالخاتم والسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط. وثالثها : الثياب قال الله تعالى :﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (الأعراف : ٣١) وأراد الثياب.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٧١


الصفحة التالية
Icon